يوما ما سوف ينهزم بنكيران وحزبه في الانتخابات، ولا شك عندي أن ذلك اليوم لا ريب فيه سوف يأتي، كما الساعة، كما الحشر، كما الموت، سوف يأتي ذلك اليوم، لكنه يوم بعيد، وقد يكون آخر يوم في هذه الحياة الدنيا، أي قبل القيامة بقليل. ولا شك عندي أيضا أني سوف أعيش ما تبقى لي من حياتي مع العدالة والتنمية، وما علي إلا أن أندمج، وأتصالح مع الواقع، وأعتذر للإخوان عما اقترفته من أخطاء ومعاص. وبالنظر إلى الأحزاب الموجودة اليوم في هذا البلد العجيب، وتعويلها في كل شيء على السلطة، وعلى المال، وعلى الأعيان، فقد صرت مقتنعا أننا سنمضي عمرنا بالكامل مع الإسلاميين، يصححون ديننا ويعلموننا مكارم الأخلاق. وسوف ينجحون دائما، سوف ينجحون عام 2021، وسوف ينجحون في القرن المقبل، وفي القرون القادمة، مادام الشعب يحبهم، ويصوت لهم، ومادام منافسوهم ينتظرون من يقدم لهم يد العون، ومن يزور لهم، ومن يشفق عليهم، ومن يعينهم، ولا يواجهون الإسلاميين في الشارع، ويتأففون من الاختلاط بالمغاربة.
ولا يمكن لأحد أن يخترع شعبا مغربيا آخر، ولا يمكن لأي حزب أن ينافس هذا “الوحش” الانتخابي، وما علينا إلا أن نتصالح، كما كتب فيلسوف زمانه إلياس العمري، والصلح خير كما تقول الأغنية. لكن هذا لا يعني أن نفقد الأمل، وأنا بدوري صرت متفائلا رغما عني، ومؤمنا بالطريق الثالث، وبفيدرالية اليسار.
وأتوقع أن تحقق الفيدرالية نتائج مبهرة في انتخابات سنة 2026، ومتأكد أنها سوف تضاعف من عدد مقاعدها لتصير أربعة، وأن يشهد العقد الثالث من الألفية الثالثة حدثا تاريخيا يتمثل في فوز نبيلة منيب بمقعد برلماني. لكن العدالة والتنمية سيبقى الأول دائما، وسيكتسح، وفي كل مرة سوف يظهر أصالة ومعاصرة جديد، وفي كل مرة سيخسر أمام حزب بنكيران. وأثناء ذلك، وكما تقول لي كرتي البلورية، وكما أقرأ الآن في الفنجان، سوف تظل فيدرالية اليسار تتقدم، وسوف يتزايد عدد الراغبين في الانضمام إلى الحزب، وسوف يقتنع المواطنون برسالتها، ويتسجل قوم الفسابكة في اللوائح، وبعد أن يموت كل المغاربة الذين عاصروا هذه التجربة، وأموت أنا، وأتحول إلى تراب، سوف يأتي زمان تحصل فيه نبيلة منيب على فريق برلماني، وسوف تنقرض كل الأحزاب، ولن يبقى في المغرب إلا بنكيران ونبيلة، ونبيلة مع ذلك ترفض مبادلته السلام، باعتباره رجعيا وظلاميا ويطبق بالحرف تعاليم الرأسمالية المتوحشة. ولأول مرة، سيعرف المغرب قطبية ثنائية حقيقية وغير مصطنعة، وسيتنافس الحزبان في ما بينهما، أي بعد ملايين السنين من الآن، وبعد آلاف الولايات التي سيطر فيها الإسلاميون على السلطة. والغريب في الأمر، أن الرفيق عمر بلافريج، وبعد مئات السنين، سوف يظل مصرا كعادته على معارضة مشروع القطار الفائق السرعة، معتبرا إياه أصل المشاكل كلها التي عرفها وسيعرفها المغرب. وسوف تظهر صواريخ فائقة السرعة، ومركبات فضائية، وسيحلق المغاربة بأجنحة تشتغل برقاقات مثبتة في الذراع، وبمحركات نفاثة في رؤوسهم، وستصبح قطارات التي جي في مثل العربات التي تجرها الحيوانات، ذكرى جميلة من الماضي، لكن الرفيق بلافريج سيبقى متشبثا بموقفه اليساري ولن يتنازل عنه. ولن يركبها، وسوف يصدر بيانا يقول فيه إن كل من ركبها في الماضي هو يميني، ولا يمكننا أن نتحالف معه في المستقبل. وبعد طول انتظار، سيأتي ذلك اليوم المشهود الذي سيقول فيه المغاربة للعدالة والتنمية كفى، بعد أن عمر على رأس الحكومة ما لا يحصى من القرون، حيث ستكون الفرصة مواتية لتنجح نبيلة منيب وحزبها، بعد أن قرر الشعب أخيرا معاقبة الإسلاميين على تدبيرهم المزمن لشؤونهم.
وحسب ما كان متوقعا، سوف تكتسح فيدرالية اليسار الانتخابات وسيخسر حزب العدالة والتنمية بفارق أصوات ومقاعد كبيرين، وفي اللحظة التي كان فيها الرفاق يحتفلون بفوزهم، في مقر الحزب، ظهرت دابة، وظهر قوم يأجوج ومأجوج، يقودهم المسيح الدجال، وخرج رجل اسمه الجهجاه، يتبع رجلا آخر يدعى لكع بن لكع، وهما معا يركضان خلف شخص من قحطان يسوق الناس بعصاه. وفي تلك الأثناء، وبينما الرفاق يرددون الشعارات ويغنون الأغاني الملتزمة، ويحملون رفيقتهم على الأكتاف، وينتظرون لحظة استقبالها في القصر الملكي لتكليفها بتشكيل الحكومة، تدخل عمر بلافريج، وقال إن الوقت قد حان لبناء آلاف المدارس والمستشفيات، وتأميم الصواريخ، والمركبات الفضائية، وإيصالها إلى المغاربة في الراشيدية وفكيك، ليستفيد منها كل الشعب المغربي. لكن الوقت لم يسعف فيدرالية اليسار لتطبيق برنامجها، فقد جاءهم خبر مفزع يقول إن رجلا من الحبشة يهدم الكعبة، وبعد أن أكدت الخبر كل الفضائيات، ووكالات الأنباء، سمعوا الصيحة الكبرى التي بعدها مباشرة ستفنى الدنيا. وكان ذلك يوم جمعة، يشبه يوم السابع من أكتوبر من سنة 2016، فنفخ في الصور، وصعق أهل اليمين وأهل اليسار، ولم يكتب للشعب المغربي أن يعيش هذه التجربة، ولا أن يعيش حلم الملكية البرلمانية والحداثة والعدل والعلمانية مع الخيار الثالث.
حميد زيد