ساهمت عدة عوامل في انتشار اللغة العربية بالمغرب. وكان، من بين تلك العوامل، انتشار المؤسسات التعليمية العتيقة التي طورت نظام “المَحْظْرَة والكُتَّاب” وأعطته بنية قارة ملازمة للمجتمع المغربي التقليدي.
لعل أسباب تعريب المغرب، تاريخيا، في مرحلة ما قبل الحماية ترجع على العموم إلى:
– انتشار الفتوح الإسلامية وانتشار الإسلام كدين يمارس بواسطة اللغة العربية والطرق الصوفية.
– ظهور الزوايا والطرق الصوفية في المغرب مع العصر الموحدي وبروز علامات بارزة لإسلام شعبي بسيط بعيد عن الأسئلة الكلامية والفلسفية والعقدية.
– الانفتاح على الأندلس مع بعث ط لائع الجيوش المغربية منذ العهدين المرابطي والموحدي إلى الأندلس وانتشار اللغة العربية وتقويتها في البلاد.
– صارت فاس معقلا للحضارة المغربية وعاصمة عتيدة، تآلفت فيها العناصر المغربية المحلية بالعناصر العربية الأندلسية النازحة.
– توالي الهجرات العربية تدريجيا على المغرب ولاسيما قبائل بنو هلال وبنو معقل.
أما في التاريخ المعاصر أي الحماية وما بعد الاستقلال، فإن انتشار اللغة العربية والاهتمام بها يعود في الغالب إلى:
– ظهور النزاعات القومية التي ساعدت المغاربة على التوحد حول الرموز الدينية واللغوية العريقة، مما منح للمغرب قوة وحضورا داخل المجال العربي الإسلامي.
– ظهور مدارس الأعيان التي كانت فيها اللغة العربية إلى جانب اللغة الفرنسية التي انتشرت مع الحماية.
– تكون نواة المدارس المغربية الوطنية مع الحركة الوطنية وشعارها بناء مدرسة عربية مغربية لتقوية الهوية والذات المغربية في وجه الحماية التي كانت تسعى الى طمس معالم العربية والدين الإسلامي في المغرب.
– ظهور نواة التعليم العربي العتيق الذي كان يسير في اتجاه حركة النهوض بالعربية التي كانت تعرفها المناطق المغربية في البادية، ولاسيما في جنوب المغرب.
– انتشار المحاظر والكتاتيب القرآنية على الأسلوب القديم في تاريخ المغرب. وكانت وظيفة هذه المؤسسة التعليمية مرتبطة بمؤسسة المسجد من حيث وظائفها في نشر اللغة العربية وتحفيظ القران الكريم للناشئة. وهذا أمر كان يجري على الطبيعة في البلاد المغربية منذ العصر الموحدي عندما تقوى هذا الاتجاه في تعليم العربية والدين في المغرب. انتشار المؤسسات التعليمية العتيقة التي طورت نظام المحظرة والكتاب وأعطته بنية قارة ملازمة للمجتمع المغربي التقليدي. وهذه البنية التعليمية التقليدية تعتمد على العربية في التلقين بنسبة غالية جدا، بحيث نلاحظ أن أكثر المهتمين بالعربية حفظا للمتون وتلقينا لعلومها هؤلاء الخريجون الذين تلقوا تعليمهم في المدارس العتيقة وتكونوا بالطرق المعهودة فيها من حفظ للمتون العربية وحفظ للشعر العربي وقراءة وحفظ للمقامات، فضلا عن التكوين المؤسس لثقافتهم وهو حفظ القران الكريم وترتيله بالقراءات المختلفة المتواترة والعمل على نظم الشعر في المناسبات الأخوية والاجتماعية والوطنية.
انطلاقا من هذا التقديم، ما هي صور المحافظة على العربية عند المغاربة؟
ظل التدريس وتلقين العلوم رهانا كبيرا في المدارس العتيقة المغربية، وظل المضطلعون بمهام التدريس في هذه المؤسسات لا يتحولون، أبدا، عن اللغة العربية، بل كانوا على درجة مشهودة من الإتقان لعلوم الآلة اللغوية والنحو والبلاغة، بحيث كانوا ينقلون إلى طلبتهم هذا الحب الكبير للعربية بصفة عملية، وذلك بتقديم الشروح الواقية لأعتى المنظومات والأرجاز والأشعار في مختلف العلوم النظرية، مثل المنطق والحساب والفلك والتاريخ… الخ.
محمد أديوان
تتمة المقال تجدونها في العدد 1 من مجلتكم «زمان»