أبانت الأزمة الدائرة بمعبر الگرگرات، في شهر نونبر بين المغرب وجبهة البوليساريو، أن جذور الصراع وحدته ما تزال ممتدة إلى اليوم ليس بين الطرفين فقط، بل مع الجزائر كذلك .فما حكاية ذلك؟
في سنة ،1973 وبالتحديد بعد شهر من تأسيس جبهة البوليساريو، استضاف الملك الحسن الثاني الرئيس الجزائري الهواري بومدين والرئيس الموريتاني مختار ولد داده، بمدينة أكادير، وذلك لتحسيسهما بمطالب المغرب في استرجاع صحرائه. لكن في تلك الأثناء، كانت موريتانيا تطالب، أيضا، بضم الصحراء إليها، بينما كانت إسبانيا تستعد لخلق دويلة تابعة لها.
اعتقد الحسن الثاني أنه قدم ما يكفي من التنازلات، عندما تخلى عن تندوف سنة 1969 واعترف باستقلال موريتانيا. لم يكن اللقاء مثمرا، فما كان من الملك إلا إرضاء جيرانه الجنوبيين .يرى المحللون أن ما قام به الحسن الثاني استراتيجية جيدة تخدم مستقبل المملكة. لكن الجزائر لم يكن موقفها واضحا، إذ أن بومدين صرح، في مؤتمر القمة العربية بالرباط سنة ،1974 بأن بلاده لم تكن لها أية أطماع في الصحراء، وأنه سيساند أي قرار يخدم البلدين. لكن بعد ذلك، ظهر موقف الجزائر الداعي لاحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها.
سبق لمحمد بوستة، الذي كان وزيرا للخارجية، أن صرح بأن الجزائر التي كانت صديقة للإسبان، اعتقدت أن ما قام به الملك موقفا مهزوزا يعكس ضعف قوة جيش المغرب، لكنها لم تتوقع أن يخرج آلاف المغاربة وينتزعوا حقهم في الصحراء سنة .1975 يحكي أحمد بابا، في كتابه عن “البوليساريو“، أن الجانب الجزائري بعد نجاح المسيرة الخضراء ساده شعور بأنه محاصر بل ومهدد. وكان بومدين يرقص فرحا كلما انتصرت البوليساريو في معركة صغيرة على الحدود مع المغرب، كما يحكي المحجوب السالك.
ظلت الجبهة، التي تدعمها قوات عسكرية من الجزائر، تقوم بحركات استفزازية وتنهج في تحركها ما يعرف بحرب العصابات. ولمنع ذلك، قام المغرب ابتداء من شهر غشت ،1980 ببناء جدار رملي كفيل بمنع الغارات الخاطفة لرجال محمد عبد العزيز، وحرمانهم من تكتيكات الكمائن، وأيضا من الوصول إلى المعاقل بجنوب المغرب.
في سنة ،1988 تصدعت البوليساريو من الداخل، وكادت تختفي إلى الأبد. وبين عامي 1988 و1992، أدار مسؤولون بارزون في البوليساريو ظهورهم لمحمد عبد العزيز. لكن الحرب استمرت، قبل أن يتم، بتاريخ 6شتنبر ،1991 توقيع اتفاقية بين المغرب والبوليساريو، بإشراف الأمم المتحدة، لوقف إطلاق النار .بعد مرور عقد من الزمن، وتحديدا بعد تولي محمد السادس الحكم، تغيرت خارطة الطريق مع الدول الإفريقية وتجاه الدول المجاورة. وشكلت سنة ،2017 حدثا مفصليا، إذ عاد المغرب إلى حاضنة الاتحاد الافريقي رغم وجود البوليساريو داخله .وبالموازاة، حدثت عدة تغييرات جذرية بالجارة الجزائر وبتنظيم الجبهة الانفصالية، أهمها عزل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة .لكن قبل شهور من تنحيته، أقامت الجزائر في منتصف سنة ،2018 طريقا صحراويا حدوديا بين تندوف مع موريتانيا، كمعبر لتصدير منتجاتها. وكانت غايتها منافسة معبر الگرگرات ومحاولة سحب البساط من المغرب. في السنوات الأخيرة، لم تتوان جبهة البوليساريو عن استفزاز المغرب في معبر الگرگرات وعرقلة مرور السلع القادمة من موريتانيا والمتجهة إليها. معلنة على لسان زعيمها كل مرة عن انتهاء “اتفاق الأمم المتحدة“ مع المغرب. لكن ما كان من المغرب، بجانب حسه الدبلوماسي، إلا أن يرد بدوره على استفزازاتها باستراتيجية عسكرية، وإطلاق مشاريع لتنمية تلك المنطقة.