تشاء الصدف أن يتزامن حدثان يكثفان كل تناقضات هذا البلد. ففي يوم الأحد 19 نونبر الماضي اهتز الرأي العام على واقع فاجعة. 15 ضحية سقطت في حادث تدافع تسابقا على ما يسد الرمق. دراهم معدودات، لا تتجاوز 160 درهما كما نقلت وسائل الإعلام، قيمة قفة من المواد الغذائية. يا للفجيعة!
أياما قليلة قبل هذا الحادث، أعلن عن نتائج البحث الرسمي حول قيمة الثروة الوطنية، والذي عهد به لبنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، تبعا لخطاب العرش لسنة 2014. يزف التقرير أخبارا سارة. لقد تضاعفت قيمة الثروة الإجمالية للمغرب، خلال الفترة بين 1999 و2013، من 6 تريليون (مليون مليار) درهم إلى حوالي 13 تريليون. أما حصة الفرد، المفترضة، من هذه الثروة فتضاعفت بما يقارب ثلاث مرات.
كيف يعجز بلد عن توفير قفة غذاء، لا تتعدى قيمتها 160 درهما، لإطعام عائلة في منطقة نائية ضواحي عاصمة سياحية مثل الصويرة، بينما استطاع مضاعفة ثرواته الإجمالية في ظرف 14 سنة؟ لو ضربت مجاعة، أو وباء غادر، كما كان يقع في الماضي لهان الأمر. لكن الحال أن الثروة تتضاعف، والبؤس صامد.
فتح تحقيق في الحادث، وأثير نقاش حول “الإحسان” أو العمل الخيري بلغة العصر، لكن جوهر المسألة يتعلق بالعدالة الاجتماعية. العمل الخيري يفترض التطوع، أن يعطي المحسن من ماله تضامنا مع المحتاجين، طلبا للأجر في الآخرة، أو لغرض في نفسه.
في المقابل، تفترض العدالة الاجتماعية منطقا آخر. مادام المحتاجون يؤدون نصيبهم من ميزانية الدولة، فالبديهي أن ينالوا حقوقهم في الخدمات العمومية والتغطية الصحية والحماية الاجتماعية. الجميع يشترك في أداء الواجب بحكم النظام الضريبي الذي لا يوفر أحدا، ففي كل فاتورة ضريبة على القيمة المضافة، مهما هزلت قيمتها. هذه هي الطريقة الوحيدة لتوزيع الثروة توزيعا عادلا، ما أمكن، خاصة وقد تضاعف حجمها. وهذا بالتحديد ما أوصى به تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، قبل خمس سنوات، حول إصلاح النظام الضريبي بتبني «خيارات جريئة لصالح توسيع تمويل الحماية الاجتماعية، من موارد أخرى، غير الاقتطاعات التي يتم حسابها على أساس كلفة العمل،» مسجلا أن رفض أداء الضرائب «لا يعود إلى مقدار الضريبة في حد ذاتها، بقدر ما يعود إلى الشعور بأن الناس لا تؤدي ضرائبها بالطريقة ذاتها، وأن قسمة الأعباء الضريبية ليست عادلة.» لكن هذه التوصيات والأرقام والتقارير، وما أكثرها، تظل خشبية لا تغير من الواقع شيئا. لو كانت الحياة السياسية في البلاد سليمة لوقع هذا النقاش في صلب المؤسسات المقررة. لكن النقاش السياسي يبدو عقيما، إذ يهتم بكل شيء إلا القضايا الجوهرية. فلا يعبر بالتالي على حقيقة المصالح المتضاربة داخل المجتمع. لعله من العوامل التي يمكن أن تفسر ظاهرة العزوف السياسي، إذ لا يرى المواطن، محدود الدخل، أي أثر لمشاركته السياسية في تغيير وضعه المادي.
إسماعيل بلاوعلي