المطالبة بجزرنا المحتلة من قِبل إسبانيا، عرض البحر الأبيض المتوسط، قضية لا تحتمل التأخير، لأن تلك المطالبة جزء من مسار بدأ مع الاستقلال، من خلال استرجاع المنطقة الشمالية في أبريل ،1956 ثم طرفاية سنة 1958 وهو ما كانت تقايض به إسبانيا من خلال اشتراطها تسليم طرفاية في لقاء بسنترا البرتغالية بين رئيسي دبلوماسية البلدين، مع التزام المغرب عدم المطالبة لاحقا بأي شبر، وهو ما رفضه المغرب حينها، وتم استرجاع طرفاية من قِبل ولي العهد حينها مولاي الحسن .وبعدها، تم استرجاع إفني سنة 1969 بمقتضى اتفاق بين البلدين .وفي خضم المطالبة بالساقية الحمراء ووادي الذهب، كانت تُقرن بتلك المطالبة ما كان يسمى بالجزر الجعفرية، والمعروفة في المخيال الشعبي بشفارين، وهو تركيب أمازيغي من مادة عربية وهي الشفرة، والتعبير يعني القُطاع أو القراصنة، وهو ما كانت تتذرع به إسبانيا لاحتلال الجزر المغربية التي كانت مصدر تهديد لسفنها لاختباء القراصنة بها حسب زعمها، وتُعرف تلك الجزر بالإسبانية بـ “Islas chafarinas” . ارتُئي تأجيل المطالبة بالجزر بالنظر إلى المسار الذي اتخذه ملف الصحراء بعد ،1975 وعدم تشتيت الجهود الدبلوماسية .كان لذلك ما يبرره سابقا، ولم يعد هناك ما يبرره حاليا.
تمتد الجزر من الشرق نحو الغرب، من جزر ثلاثة على مصب نهر ملوية، هي ما يعرف بجزر راس الماء، وهو ترجمة لكلمة أكلمان، وهو مصطلح أمازيغي، اسم جنس يوجد في أرجاء عدة بالمغرب، إما بصيغته الأمازيغية أكلمان، أو المعربة راس الماء، وهو ما أبقت عليه إسبانيا في ترجمة حرفية
“Cabo de Aqua” أو ما يعرف بالفرنسية بـ “Cap de l’eau” وعُرفت كذلك بجزر كبدانة لأنها على مرمى قبيلة كبدانة. آخر ما احتُل منها جزيرة البرهان سنة .1848 وعرض سهل النكور توجد جزيرة النكور، احتُلت سنة ،1673 وبمحاذاتها شرقا فيما كان يعرف بالمَزمَّة، الحسيمة حاليا، جزيرتان محتلتان، واحدة على أذرع من اليابسة من شاطئ السواني يمكن للشخص أن يجوز لها من الشاطئ بالأقدام ساعة الجزر، وقد وضعت عليهما إسبانيا علمها سنة 2001 بعد حادثة جزيرة ليلي (تاورة كما تعرف عند الساكنة، وهي كلمة أمازيغية تعني الأرض الخالية، وعرفت كذلك بجزيرة المعدنوس). وشرقها توجد جزيرة باديس، نسبة لحاضرة باديس، وعُرفت كذلك بجزيرة غمارة، لأنها توجد في دائرة قبائل غمارة وكانت تعرف أيضا بمرسى فاس، لأنها مصدر تموينها، وكانت أكبر حاضرة بعد النكور في الريف، وتم احتلالها سنة 1508 وربطتها السلطات الاستعمارية في نهاية القرن التاسع عشر باليابسة من خلال ردم الفجوة، وتحتل إسبانيا نقطة على التراب المغربي تربط بجزيرة باديس. هو وضع غريب أرادت منه إسبانيا أن يكون ورقة ضغط لدرء المطالبة بالجيبين سبتة ومليلية (روسادير أو راس الدير عند القرطاجنيين)، ولم يكن هذان الجيبان منذ احتلالهما سوى قلعتين، ولكن إسبانيا توسعت عسكريا وعلى حساب مجال الأهالي، سواء على حساب آيت ورياش في مليلية، أو أنجرة في سبتة، والتوسع الترابي الذي أجرته إسبانيا بعد العدوان سنة 1860 فيما يعرف بحرب تطوان .والتاريخ يشهد على مقاومة الأهالي، والثمن في الأرواح الذي قدمته الساكنة للوقوف ضد التوسع .المطالبة بالجزر يندرج في مبدأ هو استكمال الوحدة الترابية والسيادة الوطنية، وفي الدفاع عن مصالح استراتيجية، فيما أضحى يعرف بالسيادة الزرقاء.. ويكفي هنا أن نشير إلى الصراعات التي يعرفها شرق بحر الأبيض المتوسط فيما يخص تحديد المجال البحري للدول المجاورة، والتعقيدات التي يعرفها و بالأخص حيث توجد الجزر.
عدم المطالبة بالجزر المغربية هو تكريس للأمر الواقع، كلما ازداد التأخر في المطالبة كلما ضعُف موقف المغرب، مع ما لذلك من تأثير سلبي محتمل على حقوقه التي يضمنها قانون البحار، سواء في المنطقة الاقتصادية الخالصة أو الجرف القاري.
وضعت إسبانيا يدها على تلك الجزر من خلال احتلالها في مراحل متعددة من التاريخ، بحجة تعقب القراصنة الذين كانوا يلجؤون لتلك الجزر ويهددون السفن الإسبانية، وهي الحجة التي تسقط بحكم القوانين الدولية والممارسة التي تضمن سلامة الملاحة البحرية .الجزر امتداد جغرافي للتراب المغربي حيث توجد على فراسخ معدودة من اليابسة، وتحمل أسماء أمازيغية، مرتبطة بالتراب المغربي، أو بالقبائل المجاورة، مما يدل على ارتباطها بالساكنة. العلاقات مع إسبانيا ينبغي أن تكون استراتيجية، ولكي تكون كذلك ينبغي التخلص من مخلفات الماضي الاستعماري. لا أحد يستطيع أن يدفع اليوم بشرعية الاستعمار، بل هو جريمة إنسانية، وكل ما يترتب عن تلك الجريمة يسقط بالتبعية. كل ما بُني على باطل فهو باطل. وسيلة التخلص من هذا الماضي الثقيل هو عبر المفاوضات الثنائية، وإلا عبر الاحتكام إلى مؤسسات العدل الدولية.
وما ضاع حق وراءه طالب. ويضيع الحق حينما لا يطالب صاحب الحق به.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير