عندما خضع المغرب، في عام 1912، للحمايتين الفرنسية والإسبانية، كان من الطبيعي أن تخضع بنياته العتيقة لإعادة الهيكلة والتحديث من طرف الإدارتين الكولونياليتين، وشمل ذلك قطاعا ذا حساسية سياسية فائقة هو “جهاز المعلومة”.
لم يكن السلاطين المغاربة، على مر كل الحقب، يتوفرون على أجهزة للاستعلامات. وكانت كل المعلومات الجزئية وغير المكتملة وغير الصحيحة، أحيانا، تصلهم عبر ولاتهم والباشوات والقواد المنتشرين في ربوع إيالتهم الشريفة الواسعة، والذين كانوا يكتبون تقاريرهم بخط اليد، وغالبا ما تكون تلك المخطوطات غير مقروءة. لكن بمجرد ما أرست الحماية قواعدها في المغرب، لم يعمل الفرنسيون والإسبان على تدارك هذا النقص بخلق جهاز سري ذي خصوصية مغربية لخدمة السلطان فقط، بل استعانوا بخدمات أجهزتهم قصد مراقبة المغاربة: السلطات والشعب، لتفادي وقوع أي محاولة تمرد أو انتفاضة ضد المستعمر. من هنا، بدأت قصة جهازين سريين تعاونا، أحيانا معا، لفرض النظام في المغرب، وأحيانا للتآمر ضد بعضهم البعض عندما تتباين مصالحهم الخاصة. حين احتل الجنرال الإسباني، فيليب ألفو، تطوان في عام 1913، لم يستقدم معه أفراد جهاز سري، لأنه لم يكن قد تأسس بعد في إسبانيا، بل جاء بعسكريين مكلفين بجمع “المعلومة”، التي هي كلمة عامة وجد متداولة، لكنها تعني في المجال الاستخباراتي الكثير من الأشياء. كان مطلوبا من العسكري المعين في قبيلة ما أن يستفسر عن أي شيء طارئ، كما يمكن أن يفعل عادة أي مخبر يقطن في مدينة ما. غير أن السلطات الإسبانية الجديدة سرعان ما أدركت أن ذلك الأسلوب لا يكفي، وأن الحاجة أصبحت ماسة في خلق جهاز استعلاماتي حقيقي، منظم وبأهداف محددة، قادر على مواجهة التحديات التي تعرفها المنطقة الخليفية، خاصة استفحال ظاهرة تهريب السلاح، التي كانت تؤرق بال المندوبية السامية في تطوان.
عدنان السبتي
تتمة الملف تجدونها في العدد 36 من مجلتكم «زمان»