إذا كان الشكل القديم للتفقير يتم عبر التتريك المباشر ومصادرة أموال موظفي المخزن وكبار التجار، فإن الدولة استغلت حملة التطهير، سنة 1996، لشن حرب طاحنة ضد رجال الأعمال فزجت ببعضهم في السجن وصادرت أموالهم بأحكام قضائية، كما استغلت المناسبة لتأكيد هيمنة المخزن على الاقتصاد.
بين 12 دجنبر 1995، تاريخ صدور دورية مشتركة بين وزارات الداخلية والإعلام، العدل، التجارة والصناعة، والاقتصاد والمالية، تنص على إحداث لجان إقليمية لمكافحة التهريب، و21 يونيو 1996 تاريخ توقيع ميثاق شرف بين الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، دشنت وزارة الداخلية على عهد الراحل إدريس البصري حملة واسعة أطلق عليها رسميا اسم «حملة التطهير». تحت هدف معلن هو محاربة التهريب والمخدرات والتهرب الضريبي، دخلت الدولة في حرب مع رجال الأعمال وزجت ببعضهم في السجن وصادرت أموالهم. لم يفت الدولة استغلال الفرصة لتشديد قبضتها على عالم الاقتصاد عموما، فأجبرت الباطرونا على الدخول في مفاوضات لتوقيع ميثاق شرف مع الحكومة، تلاه اتفاق آخر مع الحكومة والمركزيات النقابية، قبل أن يبادر الملك الحسن الثاني إلى إصدار عفو عام على جميع المدانين في قضايا التهريب، وآخر ضريبي ظلت المقاولات تطالب به مدة عام كامل. من طبيعة الحال لم يكن أي منهما دون مقابل.
ضحايا تصفية حسابات
انطلقت الحملة عمليا مع نهاية سنة 1995، وأطاحت في بدايتها برؤوس كبيرة في تجارة المخدرات، لكن سرعان ما عدلت بوصلتها. فعوض أن تقتصر الحملة على منطقة الشمال، تولى إدريس البصري، وزير الدولة في الداخلية دفة القيادة، وأدارها نحو الدار البيضاء.
نقل مركز الحملة من الشمال إلى الدار البيضاء لم يكن بريئا، فقد كان مخططا لحملة، عنوانها تخليق الحياة الاقتصادية، أن تستخدم لتصفية الحسابات مع رجال أعمال، بدا أنهم لا يدورون في فلك الدولة. 1285 شخصا، كثير منهم أبرياء، وجدوا أنفسهم أمام تهم ثقيلة تتوزع بين الرشوة والتهريب والتهرب الضريبي. وخضعوا لتحقيقيات ماراطونية، قبل أن يدين القضاء أغلبهم بأحكام ثقيلة: 133 فقط سقطت الدعوى عنهم، و122 تمت تبرئتهم. أسماء من طينة علي عمور وحماد جاي الحكيمي، مديرين عامين للجمارك سابقا، محمد الغالي بنكيران، سيمون ودافيد شتريت، محمد بنطالب وعبد العزيز الطاهري وجدت نفسها في قفص الاتهام. بعض هؤلاء كانوا ضحية تصفية حسابات بين إدريس البصري وشخصيات في قمة هرم الدولة كعبد اللطيف الجواهري، الوالي الحالي لبنك المغرب، والراحل أحمد بنسودة مستشار الملك الحسن الثاني، أو أحمد عصمان، الذي كان يرأس حينها حزب التجمع الوطني للأحرار. منصف بنعبد الرازق، صيدلي بمدينة الدار البيضاء، كان العنوان الأبرز لتصفية الحسابات. أسالت قضيته كثيرا من المداد لأشهر طويلة، فقد أدين في البداية بست سنوات نافذة وبغرامة قاربت مليوني درهم في قضايا ترتبط بالتهريب، قبل أن يجد نفسه متهما باستيراد دماء ملوثة، بعدما أعلنت وزارة الصحة أن بحثها أفضى إلى احتواء مادة الغاماغلوبيلين التي يستوردها بنعبد الرازق على مشتقات ملوثة بفيروس السيدا والتهاب الكبد.
خالد الغالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 2 من مجلتكم «زمان»