حلم نابليون بونابرت بأن يكون سيد البحر الأبيض المتوسط، وكان متيقنا أن حلمه لن يتحقق إلا بعد أن يصبح المغرب جزءا من «بحيرته الفرنسية»، غير أن طموحه تكسر على الشواطئ الشمالية للإيالة الشريفة.
ظل المغرب، بحكم المجال الجغرافي الذي يتواجد فيه، نقطة عبور وجسر تواصل بين منطقة العالم الإسلامي والقارة الأوربية عبر مختلف الفترات التاريخية. فهو من جهة أولى يرتبط بالبلدان الإسلامية ويشكل جزءا أساسيا في غرب العالم الإسلامي. ومن جهة ثانية، له جذور وارتباط تاريخي وتواصل ثقافي مع الضفة الجنوبية للصحراء الكبرى. ومن جهة ثالثة يجاور القارة الأوربية ويربط مع دولها علاقات دبلوماسية وتجارية تتفاوت نسبتها وقيمتها حسب ما تمليه الظروف الدولية والإقليمية والداخلية.
وبموازاة مع هذه العلاقات والمعاهدات، شكل المغرب محطة للأطماع الاستعمارية الأوربية. فنظرا لموقعه الجغرافي الذي خوله مكانا استراتيجيا مهما في العلاقات الدولية ، حيث ازدادت أهمية هذا الموقع عند اكتشاف العالم الجديد وإنشاء المواصلات البحرية في المحيط الأطلسي، برزت، منذ أواخر القرن السابع عشر، مشاريع استعمارية في السياسة الأوربية ترمي إلى السيطرة على المغرب أو على بعض مدنه الساحلية في الجهة الشمالية كما في الجهة الغربية.
في هذا المجال، تبرز إحدى هذه المشاريع الاستعمارية الفرنسية تجاه المغرب التي ظهرت بعد الثورة الفرنسية وكان نابليون بونابرت، «إمبراطور فرنسا»، هو المحرك الأساسي ومهندس هذه السياسة. وفعلا، جلبت الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وبالأخص المغرب، أنظار «السياسة المتوسطية» لنابليون بونابرت. فمن خلالها كان هذا الأخير يرمي إلى جعل البحر الأبيض المتوسط، بمنطقتيه الشرقية والغربية، «بحيرة فرنسية» ومركزا للتجارة الفرنسية منذ فشله وخروجه من مصر وتقلده مناصب الحكم في فرنسا، حيث وضح ذلك في إحدى تصريحاته قائلا: «إن هدفي الأساسي والدائم هو أن أصبح سيد البحر الأبيض المتوسط بدون منازع». وفي رسالته إلى وزير البحرية الفرنسي الأميرال دوكريس يؤكد قائلا: «إن سيطرتنا على بلد من شمال إفريقيا ستشكل ضربة صارمة لإنجلترا». بعد الاحتلال النابليوني لشبه الجزيرة الأيبيرية سنة 1808، أصبح المغرب يجاور فرنسا من الضفة الجنوبية لبوغاز ، مما دفع بونابرت إلى استعمال عدة أوراق للضغط عليه بل وتهديده وبالتالي التفكير في احتلاله.
عبد الحفيظ حَـمّـان
تتمة المقال تجدونها في العدد 29 من مجلتكم «زمان»