اضطلع المتصوفة، في مغرب العصر الوسيط، بدور كبير في استتباب الأمن والسلم، إذ كانوا، بما لديهم من وقار، يتوسطون بين الأطراف المحاربة لتسكين الفتن والدعوة إلى العافية.
يميل بعض الدارسين المعاصرين إلى اعتبار «التصوف إيديولوجية أزمة أنتجها مجتمع متأزم»، وعلى الرغم من صعوبة تبني هذا التصور في إطلاقيته، على الأقل في مجتمع حدد فيه المعتقد الديني جزءا كبيرا من بنياته وتنظيماته وأنماط التفكير والإحساس والفعل لدى أفراده، فإننا نميل إلى ربط انتشاره واتساع قاعدة المنخرطين فيه باشتداد الأزمة واستفحالها، وهو ما يمكن ملاحظته بشكل جلي في أوضاع المغرب الأقصى أواخر العصر الوسيط. فالاضطرابات السياسية المتوالية منذ معركة العقاب، وخاصة منذ منتصف القرن 8هـ/ 14م، والتي اتسمت بالصراع المستمر على السلطة بين الأمراء ورجال الدولة من الوزراء، فضلا عن الحروب المتواصلة بين الدولة المرينية والدول التي تقاسمت معهم مجال الغرب الإسلامي من جهة، وبينها وبين الدول المسيحية التي بدأت تصل حملاتها إلى الشواطئ المغربية من جهة ثانية، وما رافق ذلك كله من فتن قبلية، فضلا عن الكوارث الطبيعية المتوالية، وما كان ينتج عن هذه الأوضاع من ظواهر الغصب والتعدي وقطع الطريق وغياب الأمن، وما أفرزه ذلك كله من مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية، كلها عوامل أسهمت في تعاظم مكانة التصوف وأدواره واتساع قاعدة المحتمين به.
حميد تيتاو
تتمة الملف تجدونها في العدد 77 من مجلتكم «زمان»، مارس 2020