حظيت وثيقة “التعرف على المغرب” بأهمية بالغة في سياق الاستخبارات التي عرت واقع البلاد في أفق السيطرة عليها. ماذا كانت أهم هواجسها؟ وخلاصاتها؟
مهد الفيكونط شارل دوفوكو طريق الجيوش الاستعمارية التي أحكمت قبضتها على المغرب منتصف ثلاثينات القرن الماضي، بفضل الاستخبارات التي وفرها دوفوكو وآخرون، كان الغزاة الفرنسيون يتوغلون في التراب المغربي بأعين مفتوحة. مما لا شك فيه أن العمل الذي خلفه هذا العسكري المتنكر في ثوب رجل دين يهودي، يكتسي أهميته البالغة من هذا المنظور، فقد وفر وثيقة غنية بتفاصيل جغرافية، سياسية، واجتماعية، لم يسبق أن توفرت لأي من سابقيه. «أعاد استكشاف 689 كيلومترا من أعمال من سبقوه، بدقة أكبر، مضيفا إليها استكشافات جديدة على مدى 2250 كيلومترا (…) وحدد 45 قمة و40 منخفضا، ومنحنا تفاصيل حول 3000 مرتفع، بينما لم نعرف سوى عشرات المرتفعات. إنه حقا عهد جديد يفتح أمامنا»، كما كتب هنري دوفيريي المستشرق والمستكشف الفرنسي، معلقا على مخطوط شارل دوفوكو، في تقرير لمجلة الشركة الجغرافية لباريس سنة 1885، كما ورد ذكره في مقال نشرته جريدة لوموند (28 ماي 1984) بمناسبة الذكرى المائوية لانطلاق رحلة دوفوكو استكشافا للمغرب.
من جهة ثانية، تكمن أهمية هذا العمل الصادر أول مرة سنة 1888، في كونه يزخر بالمعلومات الخام، حول تلك الفترة الدقيقة التي اهتمت فيها السلطة المركزية بتوحيد البلاد لمواجهة الغزو الأجنبي. ولعله، أيضا، ينبئ عن الخطوط العريضة للسياسة التي صاغتها سلطات الحماية لضبط البلاد، وخاصة منها، ما يتصل بالتعرف على النسيج الاجتماعي للمغرب، وتمايزاته الثقافية، وعلاقاته مع السلطة المركزية، ومجمل الفرضيات التي قام عليها ما سمي بـ”السياسة البربرية”… فقد كان دوفوكو شديد الحرص على تدقيق ما بدا له اختلافا “عرقيا”، ولغويا، لهاته القبيلة عن تلك، قدر اهتمامه بإحصاء عدد البنادق والخيول التي تتوفر عليها كل قبيلة، بل كل داور من الدواوير التي مر عليها!
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 43 من مجلتكم «زمان»