انتفض بعض المنتسبين لقبيلة الرقيبات المغربية بسبب جملة وردت في فيلم وثائقي، يتحدث عن بعض الزوايا بالصحراء المغربية، بدعوى أن الفيلم يسيء إلى نسبهم وجدهم الأكبر. وردت الجملة على لسان مؤرخ مغربي معروف باختصاصه في الزوايا المغربية عبر الصحراء، ألا وهو الجيلالي العدناني مؤلف كتاب الزاوية التيجانية، والذي هو في الأصل أطروحة دكتوراه. المعروف أيضا عن الجيلالي العدناني معرفته بتاريخ الصحراء عامة والصحراء المغربية خاصة. ما انتفض ضده جمهور من هذه القبيلة قول المؤرخ بالحرف في الدقيقة 34 و49 ثانية من الفيلم: «ويقال إنه لم تكن له ذرية، وبالتالي كيف القول إنه هو الجد الأعلى لقبائل الرقيبات، قبائل الرقيبات هناك فروع متعددة وهناك قبائل كانت انهزمت في حرب “شَرّْ بَبَّة“ في القرن السابع عشر. وبفعل هذا الانهزام، أغنت ودعمت وساهمت في تكتل قبائل الرقيبات». معنى هذا أن المؤرخ أخذ المسافة الكافية بينه وبين المعلومة المكتوبة أو المروية والتي وردت في بعض المصادر. وبمعنى آخر أن المؤرخ لم يكذب على التاريخ، بل بسط كل الأفكار والمعلومات والأخبار المتداولة حول الرقيبات ومنها ما هو مدون في كتب على غرار “جامع المهمات في أمور الرقيبات“ وهو الكتاب الذي كان حاضرا في الصورة باللون الأصفر على رفوف مكتبة أحد أبناء الرقيبات الذي تحدث قبل المؤرخ في الفيلم.
حتى الأحاديث النبوية المروية عن رواة، يقال عنهم تقاة، يحدث فيها التمحيص والتدقيق على مر العصور ولا نرى من ينتفض بدعوى انتسابه لآل البيت النبوي، أو إلى راوي الحديث. كيف يحق لأعضاء من قبيلة معينة أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على الحقيقة التاريخية؟ وما هي الحقيقة التاريخية في الأصل؟ هل الرقيبات أو البعض منهم سوف ينصب نفسه مكان علماء التاريخ ويمنع عنهم الغوص في التنقيب عن الحقائق؟ هل يحسون أن حججهم لا تكفي للنزول إلى الميدان ومقارعة الحجة بالحجة؟
أعتقد أننا نتجه نحو ديكتاتورية واستبداد فكريين من نوع خاص .الفيلم رأي من بين الآراء، رأي شَخْصٍ بعينه والكتابة التاريخية رواية، يرويها مؤرخ أو روائي أو مفكر، ويشاركه فيها عدد من الأشخاص أو من الفئات الاجتماعية؛ لكن يبدو أن هناك من يريد فرض رأي واحد، قراءة وحيدة للتاريخ. وهنا وجب التذكير بأن الأمر لا يتعلق بجزء من الرقيبات وحدهم، بل هناك بعض الريفيين الذين يريدون مراقبة أنفاس كاتب سيناريو فيلم عن عبد الكريم الخطابي… بمعنى آخر أنهم يريدون روايتهم هم وليس رواية عين المؤرخ. فمن جهة يقولون، كما يقول جزء من الرقيبات، إن الشخصيتين: محمد بن عبد الكريم وسيدي أحمد الرقيبي، تراث وطني لجميع المغاربة، ومن جهة أخرى، يحاولون فرض رواية جهوية قبلية واحدة.
إذا كان هذا الفرع أو الجزء من الرقيبات يحرص على الانتساب إلى أحمد الرقيبي، ويحرص على أن الشيخ سليل المولى إدريس، فليعلموا أن المؤرخين يطرحون باستمرار أسئلة حول مؤسس الدولة الإدريسية نفسه وابنه وسلالته أيضا. هل يعرفون أن هناك في ثنايا التاريخ المغربي حكاية تاريخية تتحدث عن إبادة أبناء وسلالة المولى إدريس؟ ومن باستطاعته أن يثبت أن هناك من فر بجلده من حفدة المولى إدريس وساعد على استمرار النسل؟ هل هناك وثيقة أو وثائق تثبت ذلك؟ فريع الشرف أو الانتساب إلى آل البيت، عبر الانتساب إلى إدريس بن عبد لله وكنزة البربرية (الأمازيغية)، يمكن أن يكون موضوع جدل تاريخي، لأن فيه خلافا كبيرا، وليس كل المؤرخين يذهبون إلى ما تذهب إليه الروايات الرسمية أو حتى الآراء الفقهية حول النسب. والرقيبات هم أولى بمعرفة ذلك، فليس كل الرقيبات أبناء لأحمد الرقيبي، إذ لا يمكن لشخص واحد تتضارب الروايات حول تاريخ ميلاده وحول وصوله إلى الصحراء أن يلد كل هذه القبائل التي تسمى باسمه. تماما كما هو الأمر بالنسبة للولي سيدي أحمد العروسي. فليس كل من يسمى العروسي هو سليل الولي. أعتقد أن ابتزاز الدولة باسم الجهوية والقبلية يمكن أن يتم بطرق أخرى، والابتعاد عن مجال الهجوم على التاريخ والمؤرخين.
الرقيبات الأبناء الحقيقيون أو المفترضون لسيدي أحمد الرقيبي هم مجموعة بشرية مكونة من رعاة رحل مسلمين ناطقين بالعربية والتي تكونت ابتداء من نهاية القرن السابع عشر بين وادي درعة والساقية الحمراء. وفي هذا الصدد، تقول صوفيا كاراتيني، وهي التي لا يشك أحد في دفاعها عن الرقيبات: «إن نسب الشرف بالنسبة للرقيبات يحاججهم فيه أعداؤهم بأرض أدرار موريتانيا أولاد غيلان. بحيث يقول هؤلاء إن سيدي أحمد الرقيبي الذي ولد بعد وفاة الشيخ ليس ابنه .وأن أتباع الشيخ قد يكونون ضغطوا على إحدى السيدات لتصرح أنها كانت حاملا منه .سمحت هذه الحيلة للمجموعة الصغيرة أن تستعيد صفة الشرف». (صوفيا كارتيني الرقيبات، باريس، 1989صفحة (48سواء صحت هذه الروايات أو لم تصح، فإن البحث فيها موكول للمؤرخين، وليس لكل من أحس أنه سيفقد مزية ما أن ينتفض متى شاء ويفرض رؤية واحدة للتاريخ.
موليم العروسي
مستشار علمي بهيئة التحرير