أدرك عبد السلام بنونة، مبكرا، أن تطور المغرب لن يحدث، فقط، بالاستقلال السياسي، بل لن يكتمل إلا إذا جاء مقرونا بالجهاد العلمي والجهاد الاقتصادي والجهاد الأدبي.
نتج عن توقيع السلطان مولاي عبد الحفيظ لعقد الحماية ردود فعل مختلفة: الذهول والحيرة عند البعض، والتشدد والمقاومة لدى البعض الأخر، والتعايش وقبول الأجنبي عند فئة أخرى. وخلال المرحلة الأولى من الحماية، لم تعدم البلاد فئة مثقفة سلفية، قليلة العدد ومحدودة الإشعاع، انتهجت المساءلة النقدية لترصد الأسباب الداخلية التي أدت إلى انحطاط الأمة المغربية. ونجد في شخصية الحاج عبد السلام بنونة نموذجا لهذه الفئة. ولد بنونة بمدينة تطوان في 16 فبراير 1888، وكان من الوطنيين المخضرمين الذين شهدوا الهيمنة الأوربية تنتقل من طور الاجتياح الاقتصادي والدبلوماسي إلى طور الاستئساد العسكري والسياسي، فتنبه إلى أن النقلة تستوجب أكثر من مجرد التصدي اللفظي. وتكمن نباهته، من جهة، في اعتقاده في عقم مواجهة الاستعمار مواجهة عسكرية مفتوحة بالنظر لاختلال موازين القوى، ومن جهة أخرى في إيمانه بأن العدو الأكبر يتمثل في انحطاط المجتمع وعجزه التام على رفع تحديات الحداثة. وتأسيسا على هذا التقييم الواقعي، خلص في وقت مبكر إلى أن الكفاح يستوجب أن يأخذ السبل الأكثر صعوبة، وتتجلى في الرفع من المستوى الفكري والثقافي والتعامل إيجابيا مع المستجدات الاقتصادية والحضارية. وكان الرجل من الأوائل الذين انتبهوا إلى أن وجوب التشبث بمرتكزات الأصالة، لا يعني بتاتا الرفض المطلق للطرق العصرية الحديثة وللصالح من عوائد أوربا. ففي رسالة بعث بها إلى ابنه الطيب بنونة في صيف 1930، أفصح الحاج عبد السلام عن فلسفته في المقاومة البناءة: «الاستقلال والحرية شيء يؤخذ ولا يعطى، وأخذه بقوة السلاح مع الجهل لا يدوم… ومحصل هذا كله أن الأمة المغربية تتوقف على رجال ذوي مقدرة في المعارف بأنواعها ليكونوا قادة للشعب يسيرونه حسب إرادتهم لمصلحة الدين والوطن ويجب إيجاد هؤلاء الرجال عاجلا أم أجلا».
عاهد ازحيمي
تتمة المقال تجدونها في العدد 19 من مجلتكم «زمان»