سعت ألمانيا بكل الوسائل لأن تسابق دولا أوربية أخرى لاحتلال المغرب في القرن التاسع عشر. ولتحقيق مآربها، استغلت ظروفه السياسية والاقتصادية والبيئية التي عصفت به. لكن، كيف خططت ألمانيا ونجحت في التغلغل داخل المغرب والاستفادة من خيراته؟
خلال القرن 19، انطلقت المساعي الألمانية للتغلغل الى المغرب، وذلك قصد وضع حد للتوسع الفرنسي في شمال إفريقيا، لا سيما بعد احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830. فقد كان بين البلدين نزاع تاريخي وجد المغرب نفسه مسرحا له. بإزاء تلك المساعي، أصبح المغرب قبلة للرحالة والمستكشفين الجغرافيين الألمان الذين كونوا نظرة على المجتمع المغربي وعلى طبيعته، ووجدوا أن أرض الإيالة الشريفة غنية بالثروات المعدنية وذات تنوع جغرافي وزراعي، وبالتالي «لا يمكن تركها لغيرهم من الأوربيين». ولكي ينجحوا في ذلك، كانت الدبلوماسية والتجارة من بين أفضل الطرق للتوغل إلى المغرب.
ثغرة الدبلوماسية
في عهد السلطان المولى الحسن الأول، كانت العلاقات الدبلوماسية الألمانية نشطة للغاية مع العثمانيين، فقاموا بتعيين سفير عثماني بطنجة لتمهيد الطريق. لكن الفرنسيين تفطنوا لمساعي الألمان فتدخلت بعثاتهم في طنجة. وبتعاون مع بعض رجالات المخزن، استطاعوا إفشال الأمر. بعدما نجحت فرنسا في إفشال خططها، لم يعد أمام ألمانيا إلا أن تبحث عن مساعدة حليفتها بريطانيا. فهذه الأخيرة كان باستطاعتها التأثير على قرارات المغرب وفقا لمعاهدة 1856 التي من شأنها التحكم في تحركات المخزن في عدة مجالات، أهمها المجال الاقتصادي. ومن جهته، كان المولى الحسن يحاول التوفيق في علاقته بين البلدين: فرنسا وألمانيا. لكنه ارتأى الاهتمام بالأساس بألمانيا، وذلك بغية توازن وضعه أمامه القوى الأجنبية والاستفادة منها في ما يخدمه. فقام بإرسال بعثات سفارية إلى ألمانيا ابتداء من سنة 1875. وقد تكونت البعثة من رجال المخزن الذين يخبرون أوضاع الأجانب في المغرب وكذلك أمور التجارة وما يهم الاقتصاد. بالرغم من ذلك، فإن دور البعثات الدبلوماسية لم يؤخذ محمل الجد كما يشير المؤرخون، فالمغرب لم «يتفطن إلى السياسة الاستعمارية آنذاك بشكل واسع»، وكان همه يتركز، فقط، على تعزيز جهازه العسكري والحصول على السلاح من الأجانب من أجل مواجهة تمردات القبائل، وهو ما أدى الى إحداث ثغرة دبلوماسية فتحت الباب للأطماع الألمانية.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 80 من مجلتكم «زمان»