اضطر أهل فاس، في فترات مختلفة، إلى ابتداع أساليب لحفظ أمن مدينتهم، وانتهوا في الأخير إلى تشكيل ما عرف بـ”الجيش الفاسي” الذي ضم خيرة المقاتلين.
ازدهار مدينة فاس وتراجعها عبر التاريخ كانا مرتبطين ارتباطا وثيقا بمدى الأمن والاستقرار الذي تنعم به الحاضرة الإدريسية. فلا يمكن للمرء أن يتصور قيام حركة تجارية أو صناعية أو علمية نشيطة أينما وجد “عمران بشري” والناس غير مطمئنين على حياتهم وحياة أسرهم، وغير آمنين في أموالهم وممتلكاتهم. لذلك، كان حفظ الأمن بالمدينة أولى الأولويات، لا تتحقق بدونه السكينة والطمأنينة التي تسمح للناس بالانصراف إلى تدبير شؤونهم الدنيوية والدينية على السواء.
مواجهة اللصوص وهجوم القبائل
إن أول تحد لأمن المجتمع البشري بصفة عامة، كما يقول ابن خلدون، هو انعدام السلطان والوازع الذي يحفظ الحقوق ويكف يد المعتدي والظالم. ففي ظل دولة قوية لها حضور إداري وعسكري قوي، كان بوسع أهل المدينة أن يطمئنوا على مصيرهم، فينصرفون إلى تجارتهم وصناعتهم وفلاحتهم بالأراضي التي توجد خارج الأسوار. لكن فترات القوة السياسية كانت نادرة، أو قل قصيرة، تعقبها في الغالب فترات من الفتن والاضطرابات قد تكون أطول من فترات الأمن والاستقرار. لذلك، أدرك أهل فاس أن قوة المخزن هي شيء عابر، وأن لا مناص لهم من تدبر أمر مدينتهم وإحداث أجهزة أمنية ذاتية يتم تفعيلها كلما تقلص ظل الدولة، وتركت المدينة عرضة لهجوم القبائل المجاورة أو نهب اللصوص، سواء كانوا من داخل الأسوار أومن خارجها.
محمد المنصور
تتمة الملف تجدونها في العدد 49 من مجلتكم «زمان»