اعتبر أهل المدن، خلال العصر الوسيط، أنهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فنظروا إلى أهل البادية نظرة احتقار معتبرين إياهم “أرذلين ومنافقين وجهالا”.
نقل الونشريسي التلمساني الأصل والمنشأ، الفاسي الموطن والمدفن في “معياره”، في ثنايا نازلة سئل عنها أبو القاسم بن علي بن البرا (تونس، ت. 677هــ/ 1278م)، حديثا نبويا عبارة عن رسالة من الرسول صلى لله عليه وسلم جاء فيها: «بسم لله الرحمن الرحيم. من محمد النبي رسول لله إلى ورثة الأنبياء وإلى الناس وإلى أشباه الناس. (…) فقيل يا رسول لله: “من ورثة الأنبياء؟”، قال: “العلماء”. قيل: “من الناس؟”. قال: “أهل الحواضر”. قيل: “فمن أشباه الناس؟” قال: “أهل البوادي”!»
لا يهمنا في هذا الباب إن كانت النازلة التي ورد فيها الحديث، الموضوع فيما يبدو، تخص فقيها تونسيا، وإن كان ينتمي بدوره إلى حاضرة من أكبر حواضر بلاد المغرب وأعرقها، بقدر ما يهمنا محاولة فهم الدوافع النفسية المضمرة وراء إيراده من قبل الونشريسي دون أدنى تعليق! وهو الذي تدخل أكثر من مرة بتعليقاته الفقهية على فتاوى عديد من الفقهاء – المفتين، وكان ينتقي النوازل التي أوردها في “معياره” في إطار تمثيليتها لأبواب مؤلفه. فهل إيراد الونشريسي لهذا الحديث إفصاح عما استبطنته سريرته من ذهنية ثلة من مجتمع المدينة متشبعة بتراتبية قائمة بين أهل الحاضرة وخاصة «نخبها» من جهة، وأهل البادية من جهة ثانية؟
تتمة الملف تجدونها في العدد 58-59 من مجلتكم «زمان»