تفنن السلاطين المغاربة في اختيار أزياء تليق بمقامهم وتميزهم عن الباقي، غير أن نمط لباسهم لم يخرج عما جاءت به التشريعات الدينية.
اعتاد المؤرخون ترويج أفكار مؤداها أن الكتابة الإخبارية تعج بأخبار السلاطين والخلفاء والحكام، وإذا كان هذا صحيحا، إلى حد ما، تبعا لوظيفة هذا الجنس من الكتابة، فيما يخص الممارسة السياسية والحملات العسكرية، فإنه لا يشمل مختلف نواحي حياتهم الشخصية والعامة، ومنها موضوع لباسهم، الذي لا يعثر فيه الباحث سوى على شذرات متفرقة، لا تشفي غليله، وتزيد معاناته في ظل ندرة هذا النوع من المعطيات في المصادر الأخرى، وغياب الصورة عن أغلب فترات تاريخ المغرب، والتي كان من شأنها أن تسد هذا الفراغ المهول، وأن تتحدث بالنيابة عن المكتوب. عادة ما تحدثت المصادر الإخبارية عن لباس الحكام في إطار حديثها عن أزياء الجيش والحاشية ورجالات الدولة، أو أثارت موضوع اللباس من باب إسباغ الحكام الخلع على شخصيات وازنة في سلك الدولة، أو الإحسان به إلى قسم من الرعية في سياقات تاريخية معينة.
أصالة وتأثير أندلسي
يعلم المتتبع لتاريخ المغرب خلال العصر الوسيط جيدا أن أصول الدولة المغربية خلال هذه الحقبة قبلية. وبما أن الأمر كذلك، فقد كان بديهيا أن لباس حكام طور البدايات، طور الخشونة، بالمفهوم الخلدوني، لم يكن منفصلا عن النمط القبلي السائد، ليبدأ هذا النمط في التغيير شيئا فشيئا مع طور الحضارة، طور الترف وما يلازمه من إظهار هيبة الدولة وأبهتها، ذلك أن لباس الحكام “جزء لا يتجزأ من مراسيم أخرى تشمل المراكب، وآلة الحرب، والألوية وغيرها”. وازداد هذا النمط تغيرا بفعل الاحتكاك مع الآخر الأندلسي خاصة، فكل من المرابطين والموحدين سيطروا لردح من الزمن على الأندلس، وتشبع حكامهم بتقاليدها على مستويات عدة، وكان اللباس إحدى تلك المستويات. أما المرينيون، وإن لم يكن وجودهم في المجال الأندلسي ذا بال، واقتصر على فترات وجيزة من بداية حكمهم، فإن الدولة المغربية على عصرهم كانت قد تقعدت فيها كثير من مراسيم السلطة وتقاليدها وشاراتها بفعل التراكم على مستوى الممارسة وعلى المستوى الحضاري.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 20 من مجلتكم «زمان»