جرت مواقف الكتاني الفقهية والدينية على صاحبها ويلات من لدن «حراس العقيدة»، الذين سعوا إلى تأليب السلطة ضده، قبل أن يلقي حتفه وهو دون الأربعين في سجن فاس.
عاش محمد بن عبد الكبير الكتاني أقل من أربعين سنة، ذاع فيها صيته وتميز بين أقرانه العلماء. ينحدر من أسرة أرستقراطية عريقة في فاس، فاكتسب رأسمالا رمزيا مهما، بحكم الانتماء لهذه الأسرة، التي لمع أفرادها علما وجاها وواجهة داخل الحاضرة العلمية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدءا بالوالد والعم (جعفر الكتاني) وابن العم (محمد بن جعفر الكتاني). فكان على الشيخ الكتاني أن يدفع ثمن هذه الشهرة والمكانة الرفيعة، التي حملته في رأي البعض إلى تقديم نفسه مصلحا قرنيا جرى التبشير بقدومه، مجددا للأمة دينها، مطوقا برسالة ملأ الأرض بالعدل بعدما ملئت بالجور. فلم يكن أصحابه وأتباعه، ممن روجوا لهذا الطرح، يجدون حرجا في اعتباره “محيي السنة ومميت البدعة ومجدد الإسلام”. وعلى الطرف الآخر رأى البعض في تحركات الكتاني خوضا في السياسة، تحركه طموحات الوصول إلى السلطة، من منطلق السعي إلى إعادة الحكم إلى الأدارسة، تكريسا لمقولة “أولها إدريسي وآخرها إدريسي”. في ظل هذا الالتباس تعرض الكتاني لامتحانين عسيرين الأول سنة 1896 وخرج منه فائزا، فعظمت شوكته وزادت شهرته وجرأته ليلقى حتفه في الامتحان الثاني سنة 1909.
خاطب الشيخ الكتاني أتباعه وأنصاره، في الرسالة المسماة برسالة المؤاخاة، بالقول: “وقد علمتم إخواني أن شمس الدين اليوم كورت ونجومه انكدرت وجباله سيرت وعشاره عطلت”. هذا الموقف من الدين في عصره جر عليه ويلات ومصائب من لدن “حراس العقيدة”. خاصة بعدما سطع نجمه وسرق الأضواء منهم علما وتصوفا وأناقة، فسعوا إلى الكيد وتأليب السلطة عليه. يقول ابنه محمد الباقر في هذا الشأن: “أثناء تآمر الفقهاء على محمد بن عبد الكبير الكتاني كانت تتوارد عليه الرسائل من مريديه وأنصاره بالصحراء، ويلحون عليه للخروج إليهم من جديد لمواصلة دعوته والأمر بالمعروف، فلبى طلبهم وخرج من فاس في يوم الأحد 21 ذي القعدة 1313هـ/ 3 ماي 1896 (…) وبمجرد ما شاع هذا النبأ في الأوساط الفاسية أصاب خصومه حزن أفقدهم رشدهم وجعلهم يخبطون خبط عشواء، وأجمعوا أمرهم وقرروا في هاته المرة الاتصال بقاضي فاس إذاك، والتأثير عليه في كتابة رسالة للسلطان أبي فارس مولاي عبد العزيز رحمه الله في شأنه، فنجحوا في مسعاهم، ولم تكد تمضي عدة أسابيع حتى كانت الرسالة بين يدي السلطان ووزيره أحمد بن موسى مشتملة على تهمة خطيرة تبرر القضاء النهائي على المترجم ودعوته وطريقته ألا وهي اتهامه بطلب الملك”.
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 7 من مجلتكم «زمان»