تطرح قضية بدايات تعريب المغرب مشاكل كثيرة على الباحثين والمهتمين بالموضوع.. فهل تخلت اللغة الأمازيغية، بالفعل، عن مكانتها لصالح العربية في الوقت الذي أبقى العرب على اللاتينية كلغة للإدارة؟
مهدت رحمة تويراس لدراستها باستعراض نظري للعوامل التي تتحكم في انتشار اللغات ومنها العامل الديني الذي يضفي صبغة قدسية على لغة الدين وهو ما سهل انتشارها، ثم هناك الدور البديهي للمبادلات في نشر اللغات وقد شكلت عنصر تعريب، وقدمت الباحثة مثال قبائل هوارة التي تعربت بفضل التجارة الكبرى.
ولنا أن تساءل هنا عن السبب الذي لم يسمح بتعريب بلدان وسط آسيا مع أنها مواطن اخترقتها تجارة الحرير والتوابل منذ القديم؟
ومن أسباب انتشار اللغة أيضا هناك عامل الجوار بين الجماعات وعامل الغزو بسبب ما يحصل حسب مقولة ابن خلدون، من أن الشعوب المتغلبة غالبا ما تسعى إلى فرض حضارتها وقيمها على الشعوب المغلوبة، وهناك عامل الهجرة حيث تصبح أحيانا اللغة الطارئة لغة لجميع السكان.
تمثلت أولى نقط استقرار العنصر العربي بُعَيْدَ الفتوحات في مدينة القيروان وترأسها العنصر اليمني وقد سُمُّوا بالبلديين. ثم عانى الغرب الإسلامي من الصراعات القبلية بين عرب الشمال وعرب الجنوب واحتد ذلك التعصب القبلي وانجرت إليه القبائل المحلية.
وفي القرن الثاني الهجري بدأت الهجرة العربية تعرف تزايدا ملحوظا وخصوصا نحو الأندلس فيما سجل حضور أقل للعنصر العربي بالمغرب الأقصى، ومع ذلك فقد اقتضى نظر الفاتحين القيام بإجراءات لتثمين الفتوحات ومنها بناء المساجد وتأطيرها بالعنصر العربي في خلافة عمر بن عبد العزيز، مما ساهم في نشر الفقه السني والحديث في مواجهة فقهاء المذهب الخارجي الذين استفادوا من ثورات الخوارج.
ولعل أهم خلاصة يمكن الخروج بها بالنسبة لهذه المرحلة هي ضعف إسلام المغاربة وقلة انتشار اللغة العربية خلافا لما توحي به الخطبة الشهيرة المنسوبة لطارق بن زياد، بدليل استمرار استعمال اللاتينية في المسكوكات إلى جانب العربية التي تعبر عن واقع إداري ليس إلا.
وفيما يخص الهجرة العربية فقد كانت عبارة عن أنوية قروية ( قيروانية) وأندلسية قليلة استوطنت المدن بشكل أساسي، ويجب انتظار قرار يعقوب المنصور الموحدي بتهجير العرب الهلاليين من إفريقية نحو المغرب الاقصى لنتحدث عن هجرة مؤثرة وفاعلة في البوادي في سيرورة بطيئة نسبيا بالمقارنة مع تأثير أقل بطئا في المدن وخاصة بالنسبة لمدن شمال المغرب.
والسبب في ذلك واضح لأن المدن في المجال العربي- الإسلامي لعبت دوما أدوارا متقدمة في ترويج الثقافة الإسلامية والذي لا يمكن تصوره دون تلك الأداة المتمثلة في اللغة العربية. ومع أن ذلك جائز من الناحية النظرية فقد أكدت الدارسة، اعتمادا على بحث ب. روزنبرجي في الموضوع أن اللغة الأمازيغية بقيت لغة التواصل اليومي بين السكان.
انتشرت اللغة العربية بفضل الدور الذي لعبته المؤسسات الدينية التعليمية، فالمسجد الجامع مرفق ديني متداخل الاختصاصات لما لعبه أيضا من أدوار على المستوى الثقافي والإداري والاجتماعي. المسجد يعد، انطلاقا مما ذكر، مركزا للعربية وللتعريب بامتياز. ولعل أشهر معلمة في هذا الصدد هي مؤسسة القرويين.
محمد فتحة
تتمة المقال تجدونها في العدد 1 من مجلتكم «زمان»