لا يكاد يمر أسبوع أو شهر دون أن تقع على أسماعنا أخبار صادمة: طفل مغتصب، مختفي، مضطهد، مقتول… والسؤال هو: هل يتوقف الأمر على الحاضر؟ أم أن للأمر حكاية وتاريخا مريرا؟
باختصار الطفولة أو الطفل المغربي كان، على امتداد الزمن، ضحية لنظريتين. الأولى ترى أن الطفل مشروع رجل أو امرأة، لا أكثر. فهو ليس بالرجل وليس بالمرأة. إنسان لم يبلغ سن الرشد. غير بالغ وغير عاقل. ومن هنا يجوز ربما قمعه واضطهاده: فهو “تافه” أو غير مبالٍ، يمكنه نسيان الصفع والضرب وكل شيء إلى حين أن يشتد عوده ويكبر. حينها يمكنه بكل بساطة نسيان ومسح صفعات ولكمات وصدمات الصغر. النظرية الثانية مخالفة تماما. بل معاكسة. ترى أن الطفل رجل أو امرأة ولو بصورة وصيغة مصغرة. وجب إذن تحميله المشقات والمصاعب. ويجري عليه ما يجري على أي رجل وامرأة. يجب أن يشتغل، أن يتزوج وينجب، أن يكون مسؤولا منذ نعومة أظفاره.
الطفل، إذن، مسودة بدون ذاكرة: اكتب ما تشاء فهي ستمحوه قطعا. وفي نفس الوقت، الطفل إنسان كامل يمكن تحميله حتى ما لا طاقة له به.
من هذا التفاقم، يمكن لنا فهم أشكال الاضطهاد، بما في ذلك العنف الجسدي والجنسي، الذي يمارس، وما يزال، على حق الطفل المغربي، ولو بحدة أقل مقارنة مع عصور مضت.
عن هذه الطقوس، وانطلاقا من وضعية الطفل المغربي على اختلاف الأزمنة والعصور، تقدم لكم “زمان” ملفا يمزج بين الحاضر والماضي، ويربط الموروث الثقافي والعقائدي.
ملف مركب ومعقد. وضروري أولا وقبل كل شيء، للتقرب أكثر من الواقع المغربي.
نأت مصادر مغرب العصر الوسيط بنفسها عن الخوض في قضايا الطفل والطفولة، مع استثناءات قليلة لا تزحزح القاعدة مثل كتب النوازل، إلى حد ما، في سياق خوضها في كل القضايا لتبرز وجهة نظر الشرع فيها ومنها قضايا الطفل، ثم كتب المناقب، أحيانا، لاسيما عند خوضها في طفولة بعض الأولياء والصلحاء، لتجعلهم متميزين على أقرانهم منذ الطفولة، وتشرعن لتساميهم مستقبلا، وتجعل منهم أمثولة وقدوة. وهذا الاتجاه المقل في أخبار الأطفال يعكس ثقافة عامة سادت، ووجدت صداها في ذهنية هذه الحقبة التاريخية؛ إذ لا «يجوز التحدث [سوى عن] الشخصية العاقلة والمسؤولة شرعا». ولعل هذه الذهنية، هي ما جعلت أغلب المعطيات عن الأطفال في المصادر مرتبطة بحفظهم للقرآن أو ختمه.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 85 من مجلتكم «زمان»