للمرة الخامسة، يقدم المغرب ترشيحه لاحتضان نهائيات كأس العالم 2026. بعدما فشل في أربع مناسبات ماضية في الحصول على شرف تنظيم هذا العرس الرياضي العالمي. كان هذا القرار، المعلن عنه في غشت الماضي، متوقعا. فالمغرب يصر على تنظيم نسخته من كأس العالم، لدرجة تكرار المحاولة للمرة الخامسة. وقد أعلنت التعبئة العامة لكسب هذا الرهان من خلال اللجنة المنظمة، في 13 يناير الماضي.
فهل نحن إزاء ترشيح آخر مهدد بنفس مآل سابقيه أم أننا نملك اليوم حظوظا أكبر مما توفر في المرات السالفة؟ إنه السؤال الرئيسي المطروح على اللجنة المكلفة بالدفاع عن الملف المغربي، والتي عهد بتسييرها لشخصيتين معروفتين على الساحة العامة، مولا حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، وفوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. انطلقت إذن الحملة الترويجية للملف المغربي في مختلف أرجاء المعمور، مع ما ينطوي عليه من رهانات كبرى، فالأمر يتعلق بحدث فرجوي يشد أنظار العالم ويضع البلد المضيف في فوهة وسائل الإعلام الدولية. فالبلد الذي ينظم كأس العالم يدخل التاريخ، خاصة مع المستوى الذي بلغته ممارسة رياضة كرة القدم والأبعاد التي باتت تتخذها عبر العالم. إذ صار تنظيم كأس العالم أشبه بورش ضخم لإعداد التراب والاستثمار العمومي. على هذين المستويين، لا يبدو أن اللجنة المنظمة سوف تواجه صعوبات كبيرة في إبراز التقدم الذي يعرفه المغرب في ميدان النقل. صحيح أنه تقدم نسبي لكنه يبقى واعدا، ليس فقط من خلال ما يمثله مشروع مثل القطار فائق السرعة، بل أيضا من خلال مستوى البنية التحتية للطرق السيارة وإمكانيات الإيواء السياحي، وبطبيعة الحال، التجهيزات الرياضية. الواقع أن الأوساط الرسمية، المكلفة بالدفاع عن هذا المشروع، محقة عندما تردد أن المغرب يتوفر على كافة الشروط التي يفرضها دفتر تحملات الفيفا. إنه أمر إيجابي بالتأكيد، لكنه سيكون أفضل لو يواكب واقعا دينامكيا. من وجهة نظر الديموغرافيا، سنكون في سنة 2026 إزاء منعطف لتجدد الأجيال التي ولدت في فترة حكم محمد السادس. وسيجد هذا الجيل، الذي تجاوز بالكاد عشريته الأولى، نفسه في خضم المعترك السياسي والاجتماعي. ومما لا شك فيه أن احتضان المغرب لمونديال 2026 سيكون علامة مميزة لعهد الملك محمد السادس. في هذه المنافسة القاسية، سيكون المغرب في مواجهة خصم يتقدم بترشيح مشترك يجمع ثلاثة بلدان هي : الولايات المتحدة الأمريكية، كندا والمكسيك. أن تجتمع قوى أثبتت وجودها أو أخرى ناشئة وتوحد جهودها لمواجهة الملف المغربي أمر إيجابي في حد ذاته. هذه المعركة غير متوازنة تذكرنا من بين ما تذكرنا به بقصة داود وجالوت، وهي معركة يمكننا أن نظفر بها شريطة أن لا نبيع أحلاما عادلة على أنها حقائق ونقاط مربوحة مسبقا كما فعلنا في النسخ السابقة، دون أن تكون لنا في الواقع الإمكانيات.
من جهة أخرى، وكما كان متوقعا، طرحت الفيفا قضية حقوق الإنسان. وكما كان متوقعا، أيضا، جاء جواب القائمين على الملف المغربي ليذكر بما تحقق من مكاسب، ولو أن الكثير من العمل ما يزال مطروحا على هذا الصعيد. الأسوء من هذا كله، هو أنه في فرنسا 1998، كما في جنوب إفريقيا 2010 يبدو أننا سقطنا في فخ الإرشاء، وفي هذه اللعبة غير الصحية والمنافية للميثاق الأولمبي خسرنا، لأن ما وضعناه تحت الطاولة على ما يظهر كان أقل بكثير مما رصدته الهيئات الرياضية لفرنسا وجنوب إفريقيا. وقد ذاع صيت هذه القضية، في سياق فضيحة هذا السوق غير النظيف الذي خلف ندوبا عميقة، جعلت مسؤولينا يختارون الرهان على حملة نظيفة. لقد التزمت الفيفا بتفادي الفضائح التي هزت هياكلها مؤخرا، وأنها لن تتكرر هذه المرة. تلك الفضائح التي جعلت عالم كرة القدم أشبه ما يكون بمستنقع للشيكات الضخمة وحقائب الدولار، بينما تقاوم القطاعات غير الملوثة من هذا العالم للحفاظ على نبل القيم الأصلية للروح الرياضية. لا شك أن هذه المقاومة تضفي مزيدا من الشرعية على الملف المغربي. بقدر ما كانت المحاولات السابقة فوق إمكانيات بنياتنا التحتية واللوجستية، بقدر ما تبدو المحاولة الخامسة في المتناول. لتحقيق ذلك يلزمنا الشروع حالا في بذل ما يلزم من جهود على مستوى التواصل، في انتظار القرار النهائي، المرتقب يوم 13 يونيو المقبل.
يوسف شميرو
مدير النشر