هل يجدر بنا أن نتأسف، من الآن، على عبد الإله بنكيران؟ لا شك أن الأعراف والتقاليد تدعونا لانتظار حد أدنى من الوقت، قبل المبادرة بإصدار تقييم أولي، مدعوم ببعض الملاحظات. حتى أن سعد الدين العثماني لم يكمل بعد المائة يوم، حسب العرف المتداول. مع ذلك، يحملنا التوقف عند بعض الوقائع الدالة، على القيام بمقارنات معينة مع الماضي القريب، واستشراف وضعيات المستقبل القريب. لا يتعلق الأمر بخلاصات متسرعة ونهائية، بقدر ما نحن إزاء تأكيد الاستنتاجات التي يمكن أن تظهر لنا بسهولة.
ما يقع في الحسيمة، منذ بضعة أشهر، واحد من الوضعيات الأكثر تعقيدا التي واجهها سعد الدين العثماني. لقد تطورت مطالب ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية، مشروعة تماما، إلى تهديد تمردي يمكن أن يعم كامل المنطقة. كما لو أننا إزاء تحيين مغرض لتلك الصورة الكلاسيكية لريف ثائر على الغزو الأجنبي، رافض لأن يخضع لأية وصاية مركزية. بعدما ترك الوضع يسوء لعدة أشهر، بعد حادث الوفاة الرهيبة لبائع السمك محسن فكري، رأينا الوفود الوزارية تتقاطر تباعا من الرباط، تختلف تشكيلتها في كل مرة، حسب الرسالة التي يراد تبليغها.
هكذا استأنفت الأوراش، التي ظلت متوقفة منذ عشرات السنين، على نحو عجيب. الخدمات الاجتماعية والتجهيزات، الصحة، التعليم والشبكات الطرقية، ومعها وعود تشغيل بالجملة. كما لو بدأت السماء تمطر وعودا والتزامات. لكن كل ذلك لم يكن كافيا لامتصاص غضب المجموعات المحلية التي تصر على رفض الحوار مع الرسميين. إلى حد أن تمت توقيف خطبة إمام الجمعة والرد عليه، في سابقة من نوعها. لا يتعلق الأمر هنا بشيطنة شبكات التواصل الاجتماعية وقدرتها على التعبئة. فالتقدم لا يمكن أن نوقفه. الحقيقة أن الشمال أهمل طويلا، وأن الأزمة الحالية تتم إدارتها على نحو سيء منذ البداية. كما لو أن رئيس الحكومة الحالي إنما ورث هذه القضية عن سابقيه. مع ذلك كنا نود لو رأينا العثماني في واجهة المشهد، بأحياء المدينة المكلومة. أما التلميح إلا أن هذا الملف نزع منه، فليس حجة لصالحه. لو نتخيل أن عبد الإله بنكيران، هو الذي يواجه هذا الوضع، لبادر على وجه السرعة لاحتلال موقعه في صدارة الجبهة. ولغامر بشخصه لينقذ ماء وجه حكومته. بفضل قدرته على البوليميك، وعلى إعطاء الانطباع الخاطئ بكونه متساهلا، ما كان بنكيران الذي نعرف ليتردد في تبادل بعض الكلمات المناسبة والمطمئنة مع زعماء هذه الحركة. ولو اضطر ليواجه تلك “الدولة العميقة”، التي يفترض أنها سبب إبعاده، لما تردد في تجاوزها واستغلال الفرصة لإدانتها. لا يتعلق الأمر هنا بافتقاد سعد الدين العثماني للشجاعة السياسية. بل فقط بأنه يبدو غير قادر على هذا النوع من المواجهات، في اللحظات الساخنة. إنه بالأحرى رجل الملفات والتوافقات السياسية على بساط أخضر.
ثمة مسألة اجتماعية أخرى ملحة في صمت، تواجه العثماني. يتعلق الأمر بالحلقة الأخيرة من مسلسل تفكيك ما يتبقى من نظام المقاصة. كيف سيدبر رئيس الحكومة رفع الدعم عن أسعار السكر، الدقيق، وغاز البوتان. مؤكد أن أجواء الخمول التي يوفرها شهر رمضان الفضيل، ستكون فرصة للتفكير العميق، لكن الغد يمكن أن يكون صعبا. على هذا الصعيد، بالتحديد، لا يجدر به التخلي عما ورثه من منهج بنكيران. فهذا الأخير هو الذي بدأ مسلسل التصفية التدريجية لصندوق المقاصة. معه كانت ثمة حياة سياسية لا يتردد في أن يصنع فيها فرجة كفيلة بأن تضحكنا أو تبكينا. ردوده المدوية في البرلمان طبعت تاريخ هذه المؤسسة، خصوصا في لعبته المفضلة عندما يواجه أسئلة المعارضة. مع العثماني يبدو الأمر مختلفا تماما، كما لو يتعلق بتمرين مشفر لا تختلف فيه الإجابة مهما كان السؤال غير معتاد. أضحى المألوف المتوافق عليه هو السائد تحت قبة البرلمان. جو ملائم لخلق الملل لدى المتعودين على الحضور القوي للسياسة. خاصة وأن المعارضة أصبحت مختزلة في حزب الأصالة والمعاصرة “البام”، الذي لا يبدو متحمسا لها، فضلا عن الانسحاب الاضطراري لحزب الاستقلال.
يوسف شميرو
مدير النشر