لم يختلف لباس المغاربة اليهود، من حيث المبدأ، عن جيرانهم المسلمين غير أنه في مراحل معينة تم إجبارهم على ارتداء ما يميزهم عن الباقي.
يصطدم الباحث في تاريخ المغاربة اليهود بشح كبير في المادة المصدرية، وما وجد منها، على قلته، مكتوب بالعربية من قبل مسلمين، مع ما تحمله من صور نمطية تشكلت عن اليهود منذ زمن المسلمين الأوائل. ويزداد الوضع عتمة إذا ما أراد كشف النقاب عن موضوع دقيق يتعلق بدواخل حياتهم، من قبيل اللباس، موضوع هذه الورقة، فحتى وثائق الجنيزة التي كتبت من قبل المغاربة اليهود، لا تضم معلومات ذات بال في هذا المجال.
في ظل هذا الوضع، يصعب الوقوف على معطيات ذات مصداقية، والخروج بأفكار واضحة عن الموضوع، وإن كنا لا نستبعد حضور البعد الديني في لباس المغاربة اليهود خلال العصر الوسيط، لا من جهتهم لما عرف عليهم من تشبث بتعاليم دينهم، ولا من جهة تعامل المغاربة المسلمين معهم، وخاصة الحاكمين خلال بعض المحطات التاريخية خلال العصر الوسيط.
الغيار أو الشكلة
مبدئيا، لم يختلف لباس المغاربة اليهود عن لباس جيرانهم المسلمين، غير أن المصادر لم تكد تلتفت إلى موضوع لباسهم إلا إذا كان يميزهم عن نظرائهم المسلمين. وقد أطلق على اللباس الذي خصوا به أسماء مختلفة، لعل أشهرها “الغيار” و”الشكلة”، ويحمل هذا الاسم الأخير حمولة تحقيرية، فـ”أصله من الشكال بكسر حرف الشين، وهو خيط لوثاق الرحل أو الدابة”. ويبدو أن هذا اللفظ الأخير تراجع تداوله ابتداء من العصر المريني. وعادة ما تشكل هذا اللباس من عمامة سوداء أو قلنسوة [شاشية] عليها قطع من ثوب أحمر، وإن كان العلماء قد اختلفوا في جواز لباس اليهود للعمائم. وفي الوقت الذي لم يسمح لهم بلبس الأحذية، اتخذوا نعالا من القش “لما فيها من الصغار”. لا يبدو أن هذا النوع من اللباس الذي خُصَّ به المغاربة اليهود خلال بعض الفترات التاريخية خلال العصر الوسيط، يستند إلى مرجعية دينية إسلامية، بقدر ما تم بخلفيات اجتماعية واقتصادية وسياسية كانت ترمي إلى منعهم من الاقتداء بأنواع من لباس المغاربة المسلمين، واتخاذ أزياء تظهرهم في مرتبة أعلى منهم.
وبقدر ما حرص المغاربة المسلمين على فرض لباس خاص على اليهود، بقدر ما يبدو أن هؤلاء كانوا بدورهم يسعون إلى تمييز أنفسهم بلباس خاص ينسجم ومعتقداتهم الدينية، حيث أكدت بعض المصادر أنهم “التزموا حرفيا بما [ما أمرتهم التوراة بارتدائه] إلا فيما ندر”. ولعل من ضمن هذا النادر، تغييرهم لما اعتادوا عليه من لباس خلال أسفارهم، خاصة التجار منهم تجنبا لتعرضهم لأي مكروه.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 20 من مجلتكم «زمان»