للفقيه محمد بن عبد الهادي المنوني مكانة خاصة جدا كإنسان أولا وكأستاذ وباحث ثانيا، وإن كان من الصعب التفريق بينهما، فإنسانيته طبعت بقوة شخصيته كباحث.
محمد المنوني الإنسان، الدمث الأخلاق، الوديع، الشديد الحياء والتواضع، الزاهد، الموصوف بالمروءة وعفة النفس، النقي اللسان، الكريم بالمفهوم الواسع للكلمة، الخدوم، المضياف… مناقب لازمته وكانت محط إجماع كل الذين عرفوه، وسبروا أغوار شخصيته، فقد حلاه المرحوم عبد لله ﯖنون في تصديره لمؤلف المنوني عن «حضارة الموحدين»، قائلا: «صاحب هذا الكتاب عالم من العلماء الشباب المثاليين، جمع إلى العلم والاطلاع النفس الزكية والأخلاق الفاضلة». وقال في حقه الأستاذ أحمد الطريبق: «الفقيه المنوني، بسيط بساطة الأنبياء والأولياء حياة وسلوكا، يقف المرء في خجل من تواضعه اللامتناهي وهو الشامخ في الأعالي. (…) بمجرد ما يذكر اسم المنوني تنهال عليك مفردات المحامد، وكلمات الثناء. ولن تجد في المغرب كما في المشرق من يذكر الرجل بغيرها، لا من جانب التراثيين ولا من طرف الحداثيين. ينزل في القلوب منزلة التقدير والتقديس».
طبع المنوني وخصاله جعلاه ميالا للعمل خارج الأضواء، وحوَّل بيته محجا للباحثين المغاربة والأجانب، يقابل الجميع، في كل وقت وحين، بابتسامته المعهودة، وترحابه الصادق، ولم يكن يبخل عليهم لا بوقته، ولا بتوجيهه، ولا بعلمه، ولا بما تحويه خزانته من أمهات المخطوطات، فقد كان له الفضل في إشاعة العديد منها في صفوف الباحثين، إذ كان يعتبر المخطوط صدقة جارية أو وقفا يستفيد منه الجميع، فكسر بذلك الاحتكار الممارس عليه بصيغ مختلفة ومتعددة. وبالفعل، كان محمود محمد الطناحي، الخبير بمعهد المخطوطات العربية بـ«جامعة الدول العربية» بجامعة الدول العربية، محقا عندما أكد أن من مآثر المنوني «العظيمة أن أباح مكتبته الخاصة لبعثة معهد المخطوطات عام 1392هـ [/1972م] تصور منها ما تشاء، وهو ما لا يفعله كثير من أصحاب المكتبات الخاصة». كما لم يكن يهمل أبدا رسالة وردت عليه، أو طلبا وجه إليه.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 4 من مجلتكم «زمان»