يحكي بعض مؤرخي القرون الماضية أن المغاربة ظلوا في إحدى السنوات ينتظرون تشكيل حكومتهم الجديدة مدة طويلة، وهناك من يقول إنهم انتظروها لأشهر ولم تأت. وحسب الآثار وأرشيف اليوتوب وحوليات الفيسبوك، فلم تكن في البلاد حرب، ولم يكن قحط، ولا مجاعة، ولا سيبة، بل كان كل شيء على ما يرام، كما استقبل ملك البلاد رئيس الحزب الفائز، في العاشر من أكتوبر عام 2016، وكلفه بتشكيل الحكومة، ونقلت المواقع والجرائد والتلفزيونات الخبر.
لكن الغريب أن حكومة المغاربة في ذلك الزمن لم تتشكل، ولم يحدد أحد الزمن الذي استغرقته مشاورات تشكيلها، وقد عثرنا على بعض المستحثات والألواح الحجرية تتحدث كلماتها عن انقلاب على بنكيران، أما الكلمة التي استعملت أكثر من غيرها، والتي عثر عليها علماء حفريات الأنترنت في مقبرة للأقراص الصلبة، وفي كهوف للمواقع الإلكترونية المنقرضة، فهي كلمة “بلوكاج”، التي أخبرنا علماء اللغات القديمة أنها لفظ لاتيني، كان يستعمله المغاربة نتيجة تأثير الإفرنجة عليهم في تلك الحقبة البعيدة.
وبغض النظر عن المدة التي استغرقها تشكيل الحكومة، فإن المعطيات التي يرويها الإخباريون القدامى، وتجمع عليها كل المراجع، تؤكد أن الأمر أخذ وقتا طويلا، وكان ذلك سابقة في تاريخ المغاربة. وفي مخطوط نادر، يوضح فيه كاتبه المجهول، أن المشكل بدأ حينما أعلن حزب اسمه التجمع الوطني للأحرار عن تغيير رئيسه السابق، وتعويضه برجل أعمال يدعى عزيز أخنوش، وهو جد أسرة أخنوش المالكة حاليا للشركة المصنعة لشرائح الذكاء الاصطناعي، والموزع الحصري للإنسان الآلي ولثلاجات إحياء الموتى، إذ تبعته جميع الأحزاب، وصارت تربط مشاركتها في الحكومة بتواجد أخنوش، كما امتنع كل الزعماء عن الالتقاء ببنكيران والتفاوض معه، حتى يأذن لهم رجل الأعمال بذلك.
وقد مات كثيرون في تلك الأيام الخوالي وهم ينتظرون ظهور حكومة بنكيران، لكنها لم تظهر، وخرج آلاف من المواطنين الرضع من بطون أمهاتهم ولم يجدوا حكومة في استقبالهم، حتى أن البعض منهم كان يفكر في العودة، ويلوم من كان السبب في خروجه إلى هذه الحياة.
وفي كل مرة كان رئيس الحكومة يهدد بإرجاع المفاتيح، كبالون اختبار، وفي كل مرة كان لا يرجعها، ويضعها في صرة صغيرة، ويعطيها لزوجته نبيلة، ونبيلة تضعها في علبة، وتصعد فوق كرسي، وتضع العلبة فوق الدولاب، وتغطيها بمزهرية، كي لا يعثر على المفتاح أحد، وكي لا يأخذه عزيز أخنوش ويشكل الحكومة بمفرده.
وجاء وقت نفد فيه صبر الجميع، وتعطلت المرافق، وانسحب المستثمرون، وانتشر الخبر في كل أنحاء العالم، لكن الحكومة لم تظهر، ولم يعد الأمر مجرد لعبة، بل تحولت اللعبة إلى أزمة، وإلى فضيحة.
وبعد أن اقتنع كل الفرقاء بخطر لعبهم، حاولوا أن ييسروا تشكيل الحكومة، وألا يعرقلوا عمل رئيسها، بينما الحكومة رفضت أن تعود، واختفت عن الأنظار، وصعدت خفية إلى جبل قاف، محتجة على المستوى الذي بلغته السياسة المغربية قبل قرون خلت.
وزعم البعض أن الحكومة فرت بجلدها من المغاربة، وغضبت من ترددهم الديمقراطي، ومن سوء معاملتهم لها وهي تتشكل، وكانت ترتعش من الخوف، فبعث لله رجلا، ثم وضعها على كاهله، ولم يكن لقدم الرجل قرار، فأهبط لله ثورا من الجنة، فجعل قرار قدمي الرجل على سنامه، فلم تصل قدماه إلى سنامه، فبعث لله ياقوته خضراء، فوضعها على سنام الثور، فاستقرت عليها قدم الرجل، ولم يكن لقوائم الثور قرار، فخلق لله كثيبا من رمل، فاستقرت عليه قوائم الثور، ثم لم يكن للكتيب مستقر، فخلق لله حوتا ، فوضع الكثيب على الحوت، حتى كفت الحكومة عن الارتعاش، وشعرت بالدفء والراحة. وانتهى إبليس لعنه لله إلى ذلك الحوت، فقال له: ما خلق لله خلقا أعظم منك، فلم لا تزيل الحكومة عن ظهرك وتسقطها؟ فهمّ بشيء من ذلك، فسلط عليه لله بقة في عينيه فشغلته. ولما تعب المغاربة من البحث عن حكومتهم، وفقدوا الأمل في عودتها، جاء شهود عيان وأخبروهم أنها في جبل قاف، وهو من زمرد أخضر، وطول السفر إليه خمسمائة سنة، ووراءه سبعة بحار وسبع أرضين وسبعون ألف أمة.
وكان عزيز أخنوش ينادي الحكومة ويقول لها عودي ولا تسمعيه، وكانت الدولة تطلب من بنكيران أن يشكلها والأحزاب كلها طوع بنانه وتستجديها، بينما هي واقفة في قمة جبل قاف، رافضة النزول، وبعد ذلك أرسلوا إليها نبيلة منيب، لكنها لم تستجب لها، ولم يدر أحد كيف عادت الحكومة، وكم تأخرت، وهناك من يقول إن تشكيلها استغرق شهرين، وهناك من يقول سنة، وهناك من يقول إن القصة برمتها من اختلاق الأعداء وتنميق القصاص، ولله أعلم.
حميد زيد