لا يمكن الحديث عن تاريخ الحركات الإسلامية بالمغرب، دون استحضار اسم أحمد الريسوني، وأدواره منذ سبعينات القرن الماضي إلى الآن. فهو واحد ممن ساهموا في تكوين النواة الأولى، وفي توحيد التجمعات الإسلامية، التي انبثق عنها حزب العدالة والتنمية. كما لا ينكر أحد مساهمة الريسوني، في تطويره نظرية المقاصد في الفقه، ليلقب بعدها بـ”شاطبي العصر”. في هذا الحوار، يتحدث الفقيه المقاصدي والرئيس السابق لحركة “التوحيد والإصلاح”، لـمجلة “زمان”، عن مساره الطويل، الذي شهد خلاله عدة أحداث. منها الانقلاب على الحسن الثاني ورسالة عبد السلام ياسين إلى الملك التي قام بتوزيعها. كما يكشف الرجل عن علاقته بالشبيبة الإسلامية وبعبد الكريم مطيع، فضلا عن حدث اعتقاله بعد اغتيال عمر بنجلون. وعبر تاريخ الحركة الإسلامية الطويل، لم تمر سنواتها بسلام، إذ كانت دائمة الاحتكاك مع جهات داخل دواليب السلطة. هنا، يوضح الريسوني علاقته بتنظيم الإخوان المسلمين بمصر وبقطر، وكذلك كيف عاشت الحركة تفجيرات، والضغوط التي تعرض لها بعد “انتقاده” لإمارة المؤمنين مرتين.
حدثنا عن نشأتك وبداياتك الأولى؟
بدايتي ونشأتي الأولى كانت بقرية “أولاد سلطان، بقيادة ثلاثاء ريسانة”، الوقعة شرق مدينة العرائش وشمال مدينة القصر الكبير. ولأجل متابعة التمدرس، قضيت سنة دراسية بالعرائش، انتقلت بعدها لمتابعة الدراسة بالقصر الكبير. وفيها تشكلت معالم شخصيتي وتوجهاتي التي تعرفونها إلى الآن. فالمدينة كانت معروفة آنئذ بحركيتها الثقافية، وكانت “الثانوية المحمدية” تشهد تنافسا فكريا وثقافيا ممتازا سواء بين تلاميذها أو بين أساتذتها. وكذلك “المعهد الديني” المجاور لها. وفي وقت مبكر، ظهرت بالمدينة أنشطة جماعة التبليغ والدعوة. ففي هذه الأجواء تشكل أول ما تشكل من ثقافتي وأفكاري ومواقفي وتوجهاتي.
درست الفلسفة في بداياتك واحتككت مع يساريين وماركسيين، كيف تتذكر هاته التجربة؟
لقد أمضيت سنة مسجلا بشعبة الفلسفة في كلية الآداب بالرباط، ثم تركتها. لكن صلتي بالفلسفة كانت أكثر من ذلك وقبل ذلك: في بداية المرحلة الثانوية، وسبب ذلك هو انتشار الأسئلة والمقولات والنقاشات الفلسفية في الأوساط الشبابية، ولدى عدد من أصدقائي التلاميذ خاصة. في تلك المرحلة، انخرطنا في القراءة والمناقشة لكتب نييتشه وماركس وسارتر وسيمون دوبوفوار وألبير كامي وسلامة موسى، ومحمد عزيز الحبابي، وغيرهم. ومنذ تلك المرحلة، وعبر تلك القراءات والمناقشات انقسمنا إلى توجهين متنافسين: توجه إسلامي، وتوجه ماركسي. ولقد كنت ضمن التوجه الأول بطبيعة الحال.
حصلت على الباكلوريا في سنة 1972، التي شهدت أكبر حدث سياسي هو الانقلاب على الحسن الثاني، كيف عشت هذا الحدث؟
نعم لقد عشت بتفاعل كبير المحاولة الانقلابية الأولى (انقلاب الصخيرات سنة 1971) والمحاولة الثانية (حادث الطائرة سنة 1972). لقد كانت سوق الانقلابات مزدهرة في ذلك الوقت، وكان الشباب العربي المسيس – وأنا منهم – يعلق آماله على الانقلابات التي كانت تسمى “ثورة” وتتم “باسم الشعب”. وما زال صوت المرحوم عبد السلام عامر يرنُّ في أذني وهو يتلو عبر الإذاعة البيان رقم 1 لانقلاب الصخيرات: “الشعب، أقول: الشعب، قام بثورة. أقول: قام بثورة..”، وكانت “ثورة الفاتح العظيمة” تثير آنذاك الكثير من الاهتمام والإعجاب.
تتمة الملف تجدونها في العدد 60 من مجلتكم «زمان»