يرى عزالدين العلام، الباحث في الآداب السلطانية، أن تربية للأمراء كانت تقوم في أساسها على مبدأ “نصيحة” أولى الأمر في تسيير شؤون سلطتهم، إذ تتوزع موادها في مجموعة هائلة من النصائح الأخلاقية والقواعد السلوكية الواجب على الحاكم اتباعها بدءا مما يجب أن يكون عليه في شخصه، أخلاقا وسوكا، إلى طرق التعامل مع رعيته، ترغيبا وترهيبا.
سبق لكم أن اشتغلتم مدة طويلة على كتب نصائح الملوك العربية – الإسلامية، أو ما يُسمى بالآداب السلطانية، كما أصدرتم مؤخّرا كتابا تقارن فيه بين “آداب الملوك الإسلامية ومرايا الأمراء المسيحية”. أيّ خلاصة يمكن استنتاجها في موضوع تربية الأمراء في التراث العربي الإسلامي؟
أوّلا، هناك ملاحظة تتعلق بعبارة “تربية الأمير” التي ذكرتها. الواقع أنّ هذه العبارة، “تربية” Education، وكذا عبارة “تعليم” Enseignement تعودان إلى الحقل السياسي الغربي المسيحي الوسيط، وتحديدا إلى نوع الكتابة السياسية المعروفة بـ”مرايا الأمراء” Les miroirs des princes. فسواء عُدت إلى مصادر هذا النوع من التأليف السياسي عند “جيل دو روم” Giles de Rome ، أو “فنسان دو بوفي ” Vincent De Beauvais، وآخرون كثيرون، أو عُدت إلى العديد من الأبحاث المعاصرة المتعلقة بالفكر السياسي الغربي – المسيحي الوسيط، من قبيل كتابات “جاك لوغوف”Jacques Le Goff أو “ميشال سينيلار” Michel Senellart، فستجد أنّ الكلمات الأكثر استعمالا هي “تربية الأمير”، أو “تعليم الأمير”. وفي المقابل، العبارة الأكثر استعمالا في الحقل السياسي العربي – الإسلامي هي عبارة “التدبير”، وكذا عبارة “أدب” (بالمعنى القديم للكلمة الذي يُفيد تقريبا ما نعنيه اليوم بعبارة “الثقافة”).
كيف نعرّف إذن هذه الكتابات التي ترتكز على مفهوم التدبير السياسي؟
بشكل عام، يمكن القول إن الأمر يتعلق بالعديد من الكتابات السياسية التي تزامن ظهور ملامحها الأولى مع انتهاء مرحلة ما يسميّه الكثير بتعميم مبالغ فيه بالعصر الذهبي أو الخلافة الراشدة، وبداية أوّل دولة عربية – إسلامية مع الحكم الأموي. وقد كانت في مُجملها نقلا واقتباسا ومحاكاة للتراث السياسي الفارسي، واستعانة به في تدبير أمور الدولة “الإسلامية” الوليدة، الشيء الذي يجد تفسيره طبعا في كون العرب كانوا أبعد الأمم عن سياسة المُلك، كما قال ابن خلدون، وكان من الطبيعي بعدما استتبّ لهم الأمر أن يستأنسوا بتراث دولة عريقة في المُلك، خاصة وأنّ الفُرس كانوا أوّل ضحايا الفتح الإسلامي.
حاوره عمر جاري
تتمة الملف تجدونها في العدد 46-47 من مجلتكم «زمان»