أخلاقية الدولة لا تتنافى وسيادة القانون. المواطنون، من الناحية المبدئية، سواسية أمام القانون، يخضعون لأحكامه، من غير تمييز، ويتمتعون بما يكفله لهم القانون من حقوق وما يفرضه عليهم من واجبات. أما أخلاقية الدولة، فتفرض تعاملا لا يجافي سيادة القانون، ولكن يتعامل معه بالشكل الذي لا يرتد سلبا على الدولة ومصالحها العليا وصورتها.
بالواضح، تناقلت الصحافة والوسائط الاجتماعية خبر خضوع موظفين سامين للتحقيق فيما نُسب إليهم من تورط في تمويل مواقع مناوئة لمؤسسات المغرب. لا شيء يمنع مصالح الأمن من التحقيق، في ما يستوجب ذلك، ولكن التحقيق ليس هو الإدانة التي هي من اختصاص القضاء …والمتابَعون يحظون بقرينة البراءة إلى أن يصدر الحكم من لدن القضاء.
تستلزم النازلة بالنظر إلى نوعية المتابَعين، وطبيعة الشبهات، أكثر من سيادة القانون، الأخذَ بأخلاقيات الدولة. من لدن المتابَعين أولا، ومن لدن الهيئات الأمنية، بل حتى على مستوى الجسم الصحافي والرأي العام. فعلى من هم يخضعون للتحقيق، وهم من كبار مسؤولي الدولة، التزام الصمت، وعدم التلويح بما يمكن أن يعتبر منّا، أو تفضلا، والحال أن ما قاموا به واجب، والولاء للوطن لا يخضع للمقايضة، ولا للتفضيل، ولا التمايز. وتفرض أخلاقية الدولية، طبعا، على كل مصالح الدولة وما يتبعها من أدوات التعبير الاستنكاف عن ردود الأفعال، أو التشهير، أو “التوضيح“، هي أسمى من ذلك ..وربما يتوجب حتى على الصحافة، ومن يصوغون الرأي الالتزام بأخلاقية الدولة في النازلة هذه، والكف عن الخوض في ملف هو قيد التحقيق، إلى أن تنتهي المسطرة، كي تشتغل مصالح الأمن في هدوء، وحتى يكون القضاء بمعزل من أي تأثير أو ضغط.
المسارعة بإصدار الأحكام قبل أن يقول القضاء كلمته، واستغلال وضعية معينة لتصفية الحسابات، لا يسيء للمتابَعين فقط، بل لطبيعة عمل دولة عصرية، ويسيء لصورة عمل المؤسسات، بل حتى لمجتمع حي… ونحن في غنى عن ذلك.
طبعا لا أحد أسمى من المحاسبة، ولكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المتابعة والمتابَعين، بالشكل الذي يحفظ صورة الدولة، ومصالحها من غير صخب إعلامي، ورد، ورد على الرد، أو مما من شأنه أن يؤثر سلبا على سير المؤسسات، والمسؤولين عليها، مما قد يكبحهم ويعطل أداءهم… ليسوا أسمى من القانون، ولكن لا ينبغي لتأويل معين، أن يكبح مبادرات المسؤولين، ويعطل أداءهم، ويسيء من ثمة إلى الإدارة، وحسن أدائها، أو ما يسمي بالحكامة (أو التدبير الرشيد). وليس أحسن صنعا من المزاوجة بين سيادة القانون، وأخلاقية الدولة، والحكامة، أو التدبير الرشيد.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير