تناقلت وسائل الإعلام خبر اعتزام السيد عمار سعيداني، مَن كان أمينا لجبهة التحرير الوطني، الاستقرار بالمغرب .ومن دون شك أن مواقفه التي عبر عنها فيما يخص التقسيم الاستعماري للقارة الإفريقية منذ مؤتمر برلين، واقتطاع الصحراء من الإيالة الشريفة، قد جر عليه (في بلده) ويلات وحملات ومتابعات. ومن واجب المغرب أن يفتح حضنه لإخوانه من الجزائريين، كما فعل عبر التاريخ، منذ أن احتل الاستعمار الفرنسي الجزائر، وتوافدت عليه أُسَر وقبائل عدة، إنْ بوجدة أو فاس أو تطوان، أو حتى بالغرب، قرب حد كورت، حيث استقر فرع من قبيلة مليانة، أو أولاد سيد الشيخ في واد جديدة قرب مكناس، وأقاموا قرية بها تُعرف بالأغواط، في حضن جبال زرهون، أو قبيلة المهاية، قرب وجدة وبمحاذاة فاس. وأصبح هؤلاء الوافدون جزءا من النسيج المغربي، وبلغوا الدرجات العُلى في مدارج الحياة الاجتماعية أو في مراتب المخزن .وتوالت الهجرات أثناء الحماية، واستقرت أسر عدة في ربوع المغرب، وجعلت قضايا المغرب قضاياها، كما جعل المغاربة قضايا الجزائر، وهي تخوض حرب التحرير، قضيتهم .وبعد استقلال الجزائر، ارتأى بعض قيادي الجزائر التاريخيين أن يستقروا في المغرب، بالنظر للظروف التي عرفتها بلادهم بعد الاستقلال، منهم المرحوم بوضياف وكريم بلقاسم، ومنهم الحسين أيت أحمد الذي كان يتردد على المغرب، وقد ارتبط بعلاقة مصاهرة بأسرة من طنجة. ويرقد جثمان القيادي خيضر مَن اغتيل في مدريد، في مقبرة الشهداء بالدار البيضاء، وعاش القيادي مصالي الحاج، مَن هو أب الوطنية الجزائرية، لفترة بالمغرب، واعتزم السيد عبد العزيز بوتفليقة الاستقرار بطنجة، في معبره للصحراء، كما يقال، لولا أنْ أثناه السيد محمد الشرقاوي، إبقاء على طموحه السياسي.
ينبغي لهذه السُّنة أن تستمر في أن يفتح المغرب ذراعيه لأفراد الشعب الجزائري ممن يرغبون الاستقرار في المغرب. مما أذكره أن المرحوم الفقيه البصري في أول لقاء لي به في أكتوبر ،1995 رتبه السيد عبد الكريم بنعتيق، بمقر إقامته بالدار البيضاء، عقب عودته من المنفى، أشار إلى ضرورة احتضان المغرب للجزائريين، والجزائر حينها في أتون حرب أهلية .والفكرة على وجاهتها، لم تكن ميسرة، آنذاك، بالنظر إلى الاتهامات المغرضة، السافرة منها أو المبطنة في دعم المغرب للجهاديين..
الوضع اليوم مختلف. وينبغي أن نجعل أبواب المغرب مفتوحة أمام إخواننا الجزائريين، حيثما كانوا، في الجزائر، أو في المهجر، فليس هناك بلد أعلق بنفوسهم بعد وطنهم، من المغرب، يجدون فيه ما قد يكونون قد تركوه وراءهم من تماثل الثقافة، وتشابه الجغرافية، أو ما قد يحنون إليهم مما توارى في بلدهم، أو ما قد يُحالون دونه، ممن يُحرم العودة لبلاده. وبتعبير آخر، نُجري أهم عنصر في وحدة الشعوب، وهو تنقل الأشخاص وإمكانية الاستقرار.
يقول المؤرخ الفرنسي دانيل ريفي (Daniel Rivet) إن المغرب صورة مصغرة للمغرب الكبير. فلْنقمْ بهذه الوحدة، في دائرة بلدنا، من خلال إجراءات عملية، مع شعوب المغرب الكبير، وبخاصة مع الشعب الجزائري .والشيء بالشيء يذكر، فلقد رُوِّج لعزم المغرب قطع مياه كير الذي يصب في الساورة، والمؤكد أن المرحوم الحسن الثاني رفض أن يُبنى سد على نهر گير (ما بين بوذنيب وگرامة) حتى لا يُحرم من هم سافلة النهر ممن يوجدون في بشار والعبادلة، من صبيبه، وليس هناك سد إلا سد صغير، بُني أثناء الحماية، أشبه بسد تلي لوقف الفيضانات، وقفت عليه، ووقفت على وديعة المرحوم الحسن الثاني، مما كان أخبرني به مسؤول من إدارة السدود، في هذا الشأن.
لا شيء ينبغي أن يفرقننا مع إخواننا الجزائريين .أما القيادة، «لقد جئتم شيئا إدّا» كما في محكم التنزيل بعد الذي فعلوه في واحة العرجة، إذ قطعوا الأرحام، بقطعهم للأرزاق.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير