استأثرت قضية الماستر(ات) المزورة في جامعة ابن زهر، باهتمام كل من المعنيين في قطاع التعليم، والرأي العام، وهو أمر مَشين أن تكون الشواهد بضاعة تباع وتشترى، وأسوأُ شيء يمكن أن يقع لمنظومة تربوية، ولكن أدواء المنظومة التربوية لا تقتصر على الشواهد المزورة، وعلى العنف المستشري، والغش، وضعف “الكفايات“ والمهارات، ولكنها بنيوية ومعقدة .ما حصل مع قصة الشواهد، هو الظاهر من الجبل الثلجي. لا يحسن أن نقع مع نازلة الماستر في تعامل اختزالي، أو رد فعل، أو حملة موسمية، وإنما التفكير بعمق في المنظومة التربوية ككل، والأمر الثاني الذي تُخشى مغبّته، هو جمع الكل في سلة واحدة، والتشكيك في نزاهة الهيئة التربوية وكفاءتها، فلا يسوغ لـ«حوتة تخنز الشواري».
في الوقت الذي اندلعت فيه قضية الديبلومات التي تُباع وتشترى، أدلى السيد إدريس بنهيمة بحوار عن الأعطاب البنيوية للمنظومة التربوية للمغرب، والتي لا تُخوّل له مواكبة التطورات الهائلة التي يعرفها العالم، وتنعكس على بلادنا، وتعطل من ثمة تقدمه. وانبرت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين السيدة رحمة بورقية بالدعوة لتحصين الجامعة بالقيم والمؤهلات الأكاديمية… والأمران متلازمان. وكلا التقييمين يصدران من غيرة، وليس من تحامل.
من يعرف بعضا من قضايا الجامعة، على الأقل فيما يخص العلوم الإنسانية والآداب، لسوف يقف على أعطاب بنيوية، منها تخلف الهندسة التربوية عن التطورات التي عرفها العالم، ومنها ضعف العتاد المعرفي الذي يبلغ به الطالب الجامعة، سواء من حيث اللغة، في ضعف التعبير ومن ثم التواصل وانعدام حس الملاحظة والقدرة على التركيب. هذا فيما يخص المتعلم، أما فيما يخص المنظومة، ففي سوء التقييم، وعدم سداد معايير الالتحاق بالماستر، وجزافية الأبحاث، مما يجعل الرسائل تمارين في النقل واللصق، والترضيات في المناقشة، ناهيك عن ظهور بؤر اهتمام للأساتذة تنعكس سلبا على العطاء الأكاديمي .ويكفي أن نشير إلى ألقاب “خبير“ التي انتشرت كالفُطر، ورئيس مركز كذا… وهلم جرا….
ليست المنظومة الجامعية منفصلة عن المنظومة التربوية، وهي أنبوب المَحقن، ينتهي إليها ما ينسكب في المدرسة. منطق الأشياء أن يبدأ الإصلاح في المدرسة لكي ينتقل أثرها إلى الجامعة، ولكنه رهان ينصرف إلى الزمن الطويل، ويقتضي لربما التضحية بجيل، ولذلك ينبغي قلب وضع المحقن، وبتعبير آخر أن يبدأ الإصلاح بالجامعة، من خلال رؤية وإجراءات حازمة وصارمة، لا تسعى أن تترضى فصيلا أو فصائل، أو أطرافا، ومنها النقابات التي لا يكون هاجسها بالضرورة الارتقاء بنوعية التعليم، وإنما الاستجابة لمطالب قطاعية.
أعود لفكرة مناظرة، يكون موضوعها الجامعة، مع ما لفتت إليه رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين، من أجل التفكير في الهندسة التربوية، سواء أتعلق الأمر بتقديم المعرفة، أو التقييم، أو البحث، في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي… لا يمكن أن نفكر في الإصلاح التربوي خارج الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، ومن العبث أن ينبني الإصلاح على أدوات عفى عليه الزمان…
ليس حلا أن تقوم منظومتنا التربوية على وتيرتين، وتيرة عامة تكاد تُترك لشأنها، ومنظومة خاصة، مندمجة في آليات العصر، لفئة بعينها. يمكن أن يكون ذلك حلا، لو أن تجارب، تعود لزهاء ثلاثين سنة، أريد لها أن تكون قاطرة نجحت، والحال أنها انغلقت وانكفأت على نفسها، وليس لها حضور على المستوى العالمي، رغم الوسائل المادية الكبرى التي ضُخّت فيها.
لن يكون هناك إصلاح حقيقي للتعليم إلا إذا شمل المدرسة العمومية، ولن يتحقق إصلاح المدرسة العمومية إلا بإصلاح الجامعة… ومناظرة هادئة، وهادفة، ومستحضرة الرهانات الحالية، ومنفتحة على الفاعلين، هي ما نحتاجه اليوم.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير