صادق المجلس الوزاري، الذي ترأسه الملك محمد السادس في نهاية شهر غشت الماضي، على مشروع قانون “التجنيد الإجباري”، لأول مرة بعد إلغائه في عام 2006، أي بعد مرور أكثر من عشر سنوات.
ويتيح القرار الجديد الحديث عن الجيش المغربي عبر العصور، وكيف كانت تتم طرق التجنيد داخله، وكيف كانت تمر التفاهمات بين السلطة/المخزن وبين القبائل.
والواقع أن استحضار الجيش، في شكله المعاصر وتطوره عبر الزمان، يعتبر بمثابة القيام بجولة إرشادية في تاريخ المغرب. زاوية الرؤية هنا ليست مختزلة، بل على العكس تماماً. إنها مفتوحة على نطاق واسع حول مظاهر وإشكالات غنية بالدروس حول البنية المؤسساتية للبلاد، وحول المكانة والدور الذين يحتلهما الجيش كذراع علماني للسلطة المركزية: الملكية، في هذه الحالة، وعلاقتها بالمجتمع. بمعنى آخر، قد تكشف الطبقات التاريخية المترسبة، حسب السياق والرؤية السياسية، عن أسماء السلاطين والملوك الذين أثروا تأثيراً عميقاً على طبيعة الجيش وسبب وجوده وتكوينه والمهام المسندة إليه، كما تكشف عن مجموعة التغييرات التي مرت بها المؤسسة العسكرية ومعاني هذه التغييرات.
وبالتالي، سيكون من الأهمية بما كان، الإشارة إلى اللحظة التي لم يعد فيها الجيش المغربي مكونا من عناصر وطنية فحسب، بل أصبح مكونا من عناصر خارجية، سواء من القادمين من الأندلس أو من أدغال جنوب الصحراء، وظلوا مرتبطين بجهاز الدولة. كما حدث هذا تحت حكم السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي. وقد اقتدى به السلطان العلوي المولى إسماعيل مع جيشه “عبيد البخاري” الذين جيء بهم على عهد السعديين مما كان يعرف ببلاد السودان.
هذا المفهوم الخاص بمسألة الانتماء الوطني سيعود إلى الواجهة بأشكال أخرى ومع تداعيات أخرى، في فترة الحماية وفي ما تلاها. ذلك أن ميلاد القوات المسلحة الملكية في يوم 14 ماي من عام 1956، لم ينظر إليه بشكل موحد على أنه استكمال لسيادة المغرب المستقل.
خلال فترة حكم الملك الراحل محمد الخامس، كان ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن، بصفته القائد الأعلى للجيش، هو الذي يدير القوات المسلحة الملكية بشكل حصري، والتي ستخدم مشروعه السياسي بشكل حصري أيضا. وقد شارك الجيش في جوهر السلطة السياسية وقدرتها العملية بشكل واضح أكثر من أي وقت مضى. وفي غضون ذلك، لم تمر المواجهات مع عناصر جيش التحرير الوطني بدون مشاكل وبدون ألم. كما تجب الإشارة إلى أن الغالبية الساحقة من الضباط، المدعوين لتأطير القوات المسلحة الملكية الوليدة حديثا، جاؤوا من الجيوش الاستعمارية، الفرنسية أو الإسبانية، حيث تسلق المؤطرون الجدد الرتب العسكرية. ومن هنا، فإن العجز في الشرعية والانتماء الوطني ظل، منذ البداية، لصيقا بجسم الجيش، ولو كان ملكيا بالتسمية. سيأخذ البحث عن الشرعية مسيرة طويلة. وستكون “حرب الرمال” ضد الجزائر، في عام 1963، فقط من أبرز محطاتها.
داخل البلاد، ستعطي سنوات الستينات حتى السبعينات، مع بعض التلميحات في الثمانينات من القرن الماضي، هذا الجيش صورة كئيبة، تعكس المناخ السياسي المثقل لسنوات الرصاص.
فقد كان الجيش مكلفا بفعل ما لم ينشأ من أجله مبدئيا: قمع الحركات الاجتماعية، اضطهاد المعارضين، وصنع مؤامرات ضد الدولة صادقت عليها محاكم عسكرية استثنائية.
على هذا المنوال، ظهرت محاولتا الانقلاب العسكري، في عامي
1971 و1972، كتأثير مرتد، أو كانقلاب السحر على الساحر. وقد ثبت أن وضع الجيش في قلب السلطة السياسية لا يخلو من مخاطر.
ويبقى أن نعرف كيف نبقي الجيش بعيدا، في الوقت الذي نحرص على الحصول على خدماته، مع ضمان القدرة على الاعتماد عليه، إذا لزم الأمر، لاحتياجات استمرارية السلطة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخلات في مناطق الصراع المختلفة، في إفريقيا وأوربا ومنطقة الشرق الأوسط، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة باستمرار، أعطت القوات المسلحة الملكية بعدًا من المصداقية والاحترافية العملية. لم يكن الأمر دائما خاليا من التساؤلات حول أهمية هذه التدخلات فيما يتعلق بالموقع الجيو-سياسي للمغرب. أولا، في عالم الحرب الباردة ثنائية القطب، ثم في العولمة الاحتكارية ذات القطبية الأحادية التي نعيشها اليوم.
لكن عموما، يمكن القول إن الحرب في الصحراء للدفاع عن الوحدة الترابية، التي وضعت أوزارها منذ عام 1991، قد أعطت القوات المسلحة الملكية قاعدة وطنية مكتسبة بطريقة شرعية، ولتكتب من جديد عقد حياتها الجديدة.
يوسف شميرو
مدير النشر