هل أصاب المغرب في المشاركة في اجتماع حلف شمال الأطلسي “الناتو“، في قاعدة جوية ألمانية، برئاسة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستِن، مع حضور الأمين العام لـ“الناتو“، حول تداعيات الحرب الروسية–الأوكرانية؟ بلا أدنى تردد، نعم. أولا اصطفافا مع الشرعية الدولية، لأن انتهاك حرمة دولة عضو في الأمم المتحدة، مُجرّم ومدان، والوحدة الترابية مبدأ ركين في أدبيات منظمة الأمم المتحدة، وغاية الأمم المتحدة ضمان الأمن والسلم، وحل القضايا الخلافية بالطرق الدبلوماسية.. وثانيا، ولا عيب في أن نجهر بذلك، هو حماية المصالح الاستراتيجية للمغرب، وهي ثلاثة، الوحدة الترابية، والأمن، والاستقرار. ولا يمكن للمغرب أن يحقق مصالحه الاستراتيجية بالاصطفاف خارج الشرعية الدولية، أو القبول بالأمر الواقع، أو التذبذب في الواقف. التذبذب لا يكون إلا مرحليا، ومن شأن استمراره أن يُفقد صاحبه أية مصداقية، لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك.
وبغض النظر عن المبادئ، فقد ظهر جليا أن الحرب الروسية–الأوكرانية اتخذت منحى غير ما رسمه له استراتيجيو الكرملين الروس، وأسفرت بعد بضعة أسابيع من اندلاعها عن أمرين في غاية الأهمية، أولها تفوق السلاح الغربي، وهو ما ظهر في تعطيل المدفعية الروسية، ثم في إغراق بارجة حربية روسية عرض البحر الأوسط، بسلاح خفيف، وثاني الأمرين، وهو قوة الانتماء القومي الأوكراني. أظهر الأوكرانيون أنهم مستعدون للموت من أجل بلادهم، ولم يُسجّل أي تخاذل في الدفاع عن أوكرانيا. السلاح الأكثر فتاكة ونجاعة، الذي يواجه به الأوكرانيون اعتداء الروس، هو الشعور القومي، وينبغي أن يؤخذ هذا الشعور بعين الاعتبار.
من حق الأكاديميين أن يخوضوا في أسباب النزاع، ومن حق اتجاهات معينة أن تُصرّف خيبتها من الغرب، وتمالي من تراه يثأر منه، أما أصحاب القرار، فواجبهم ليس التفسير ولا التبرير، ولا التحليل، ولكن الدفاع، وليس غير الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للمغرب.
ينبغي أن نُذكّر أن الساحة الخلفية لصراع، ندرك أن طبيعته تتجاوز روسيا وأكرانيا، هو شمال غرب إفريقيا. لا ينبغي أن ننخدع، ونعتقد أن الصراع بعيد عنا، وأن أوراه لن يصيبنا .ويمكن أن نستدل بتحركين في غاية الأهمية، الأول لنائبة كاتبة الدولة الأمريكية ويندي شيرمان “ “Wendy Sherman في المنطقة وتعريجها على مدريد. ونعرف التتمة.
ثم زيارة كاتب الدولة الأمريكي أنتوني بلينكين، بعدها، للمغرب والجزائر، وتصريحه من الجزائر من أن هناك حالات، لا يسوغ فيها البقاء في منطقة رمادية.
في غمرة هذه التحركات، صدرت تصريحات من السلطات الجزائرية، أقواها تصريح الدبلوماسي الجزائري السيد عمار بلاني المكلف بالملف المغاربي للوكالة الجزائرية الرسمية، من خلال نص مكتوب، ومصاغ أولا بالفرنسية، ثم مترجم للعربية، أن مزاعم قصف لشاحنات في المنطقة العازلة، يعتبر مدعاة للحرب .“Casus Belli” ليس القول شطحات محلل، بل مسؤول مأذون، وينبغي أن يؤخذ مأخذ الجد. التصريح كرر ما قيل في مناسبات عدة، من أن استهداف شاحنتين تم بسلاح متطور جدا. بمعنى أن الأمور تتجاوز المغرب. ولْيكنْ.
لقد عبّر المغرب، رسميا، فيما هو رد عن اختراق لترابه، أنه لا يريد الحرب، ولن يريد الحرب إلا أخرق. ندرك الوشائج التي تربطنا وإخواننا الجزائريين، ولكن حبنا للشعب الجزائري لا يمكن أن يرقى للتضحية بمصالحنا الاستراتيجية.
نريد السلم، ولا نريد إلا السلم .و«من يُرِدِ السلم يتخذ له عُدّته»، كما تقول الحكمة الرومانية، وهو التهيؤ لكل الاحتمالات الممكنة .“Si vis pacem para bellum”
ينبغي أن نتحلى باليقظة والحذر، من أي مستوى، والخيارات التي انتهجها المغرب، في غمرة الحرب الروسية–الأوكرانية صائبة، وهي إحدى وسائل تحصينه، والدفاع عن مصالحه الاستراتيجية.
والقضايا الاستراتيجية للمغرب، شأن الشعب المغربي قاطبة، والشعور بالانتماء للمغرب وتاريخه ليس شطحات، وإنما شعور راسخ يُفدى بالغالي والنفيس، إن اقتضى الأمر ذلك..
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير
وهل بقي هناك امل يمكن المراهنة عليه للبناء على ما اصطلحت عليه بالشعرية الدولية؟
طبعا بعد تصرفات الولايات المتحدة الكثيرة التي ضربت في صميم هذه الشرعية.
نرجو إلا تخيب امال الكثير فيما يتعلق بالمنتظم الدولي، اي الامم المتحدة.
مع تحياتي وتقديري للاستاذ الكبير حسن اوريد.