لنُسمِّ الأشياء بمسمياتها، الحرب على أوكرانيا من قِبل روسيا والتي شنتها، في 24 فبراير ،2022 اعتداء يهدد الأمن والسلم العالميين، ويخرق من ثمة ميثاق الأمم المتحدة الذي جعل غايته حل المشاكل الدولية بالطرق السلمية .والأدهى أن هذا الاعتداء يقع من لدن دولة عظمى، لها حق النقض، وقوة نووية، ومن مؤسسي الأمم المتحدة. حق النقض لا يمنح للدول الأعضاء مجرد امتياز بل مسؤولية، والسلاح النووي، هو بالأساس للردع، لكن التلويح به، ووضع مراكزه في حالة استنفار سابقة خطيرة، وتحول مريع.
مهما كانت الاعتبارات التي كانت تدفع بها روسيا، والتي قد تكون لها وجاهتها فيما يخص تمدد حلف الناتو، أو في العمق التاريخي والثقافي لعلاقتها مع أوكرانيا، فإن السبيل الوحيد هو حل المشكل بالطرق الدبلوماسية، وخيار الحرب هو إغلاق للمسار الدبلوماسي.
الحرب على أوكرانيا ليست حربا بعيدة لا تهمنا في شيء، فهي تعيد شبح الحرب الباردة التي عانت البشرية منها الأمَرَّين، وهي تنسف النظام العالمي القائم، على عِلاته، وتُدخل البشرية في مرحلة سباق التسلح، وليس قرار ألمانيا بالتسلح، اعتباطيا، وتُغلّب منطق القوة لحسم الخلافات، وتؤجج التوتر، أي أنها تدخل البشرية في وضع هوبزي (نسبة للفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز)، أي شريعة الغاب.
ليس هذا القول ضد روسيا، الشعب العظيم الذي أعطى للبشرية أوجها لامعة في الفكر والأدب والفن والعلوم، ولكن ضد سياسييها. ولا يعفي ما قامت به قوى عظمى كذلك، من استعمال القوة، كما فعلت الولايات المتحدة في العراق سنة ،2003 بخاصة من دون تفويض للأمم المتحدة، وأدخلت العراق في أتون حروب طاحنة، ووطّأ تدخلها السبيل لظهور جيل جديد من الإرهابيين .تدخل الولايات المتحدة بالقوة في العراق غير مشروع، ولم يفض لنتائج إيجابية، ولا يمكن لتدخلها أن يكون تسويغا لتدخل روسيا عسكريا في أوكرانيا. لقد تلظت روسيا بالاعتداء على أراضيها من قِبل القوات النازية، وأدت ثمنا غاليا لصدها، ولا يمكن أن تجري على الغير ما عانت منه.
أوكرانيا دولة لها سيادة، وعضو في الأمم المتحدة، وترتبط بروسيا بعلاقات دبلوماسية فضلا عن العمق التاريخي والثقافي المشترك، ولذلك لا شيء يجيز انتهاك سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة .السبيل الوحيد هو الطريق الدبلوماسية لحل الخلاف، واللجوء للقوة هو تهديد للسلم والأمن الدوليين.
السكوت عما يجري في أوكرانيا هو تسويغ لمنطق القوة، ولشريعة الغاب، ولذلك فالبشرية أمام منعطف خطير لإيقاف الزيغ .وما يقال عن روسيا، يقال عن أي دولة تستعمل القوة ضد طرف ضعيف، سواء كان دولة صغيرة، أو أقليات، أو مجموعة بشرية، أو شعبا أعزل. لا يمكن الكيل بمكيالين، أيا كان الطرف الذي يجنح للقوة. ولا ينبغي، والحالة هذه، السكوت كذلك عن الانتقاء في الهجرة، بقبول العناصر البيضاء، وسد الأبواب ضد من ليسوا بيضا، أو من الغرب، في معمعان الحرب الدائرة رحاها اليوم. لا جدال أن القوة التي تحظى بها روسيا، تُمكّنها من حسم المواجهة لصالحها، ولكنها لن تكسب الحرب، لأنها جعلت المنتظم الدولي يعارض خيار المغامرة، والأهم من ذلك أن الشعب الأوكراني قال كلمته، باصطفافه وراء قيادته، واستعداده للتضحية. فيمكن أن نجعل من البنادق ما نريد، حسب المقولة الشهيرة لنابليون، سوى أن نجلس عليها، أي أنه لا يمكن التماس الشرعية من القوة، أو كما يقول المثل العربي، الظفر بالضعيف هزيمة. الحرب الروسية–الأوكرانية تحول في العلاقات الدولية، ويطرح أسئلة لم يعد من الممكن التستر عنها، وهي بقاء السلاح النووي .ربما كان للسلاح النووي عقب الحرب العالمية الثانية مسوغ. ولم يعد للسلاح النووي أي مسوغ، كما لم يعد للأحلاف العسكرية أي مبرر. لنصطفَّ إلى جانب الحق كي يصطف الحق بجابنا .والحق هنا، هو أن نُدين الاعتداء، ومنطق القوة، إن كانت للقوة أن تكون منطقا.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير