رسم مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، حدود النقاش حول تعديل القانون الجنائي. جميع الاقتراحات مقبولة، إلا تلك “التي تمس في الصميم ضمير المجتمع، وتمثل ضربا لإسلامية الدولة التي يعتلي عرشها أمير المؤمنين”، كما قال الوزير، متحدثا عن بعض الاقتراحات التي يدافع عنها العلمانيون، باعتبارها حقوقا وحريات يجب أن يكفلها القانون لا أن يجرمها.
يرفض المحافظون أطروحة العلمانيين هاته، لأنهم يرفضون الفكرة التي تقوم عليها: نسبية الحقيقة. إن التشريع الديني نسبي في صلاحيته لزمن كانت ظروفه توافق تجريم ما صار اليوم حقا، وإباحة ما أضحى تعديا على حقوق الإنسان. هذه عقبة أولى في وجه التفاهم بين الفريقين.
تظهر العقبة الثانية في وضع الأطروحة العلمانية إزاء “ضمير المجتمع”. يواجه المحافظون العلمانيين بأنهم أقلية في المجتمع، وهناك من دعا بوضوح إلى الاحتكام للشارع حيث تظهر حقيقة الأغلبية الرافضة للعلمانية.
لا شك أن الاختيارات السياسية التي حكمت المغرب، في المدرسة والمسجد والتلفزيون، خلال العقود الماضية تجعل الأغلبية غير مستعدة لفهم الأطروحة العلمانية، وللوعي بأنها ليست سوى التعبير المطابق للواقع العلماني القائم فعلا في مجالات كثيرة خاضعة للقانون الوضعي.
لكن الديمقراطية قيم قبل أن تكون أغلبية وأقلية، وحقوق الإنسان هي جوهر تلك القيم. في نظام ديمقراطي لا تكون الأغلبية على حق عندما تريد إقرار ما يمس تلك القيم. تماما كما أن كفار قريش – وقد كانوا الأغلبية في فجر الإسلام – لم يكونوا على حق!
بقيت عقبة أخيرة تتمثل في ما سماه الوزير “دولة إسلامية يعتلي عرشها أمير المؤمنين”. قبل إقرار دستور 2011، على الأقل، كان هذا التأويل مطابقا لجانب الأصالة في واقع الدولة المغربية، إذ شرعية الملكية مبنية على البيعة والدستور معا، وبعض القوانين مستمدة من فهم معين للدين. ما تزال الازدواجية بين الأصالة والمعاصرة مستمرة في الواقع بعد 2011. لكن الدستور يتجه نحو توسيع مجال المعاصرة. وتعديل القانون الجنائي، تحديدا، فرصة لتوسيع هذا المجال. ماذا بقي بعدما تأكدت شرعية الملكية، نفسها، خارج نطاق الأصالة، وذلك حين دعي المواطنون للتصويت على دستور وضعي، وليس للتوقيع على “بيعة” من تلك التي تذكرها كتب التراث؟ وهل هناك دولة “إسلامية” دستورها وضعي؟!
“إسلامية الدولة” وهم لا وجود له في الواقع المغربي، وإمارة المؤمنين وظيفة محصورة، بنص الدستور الوضعي (الفصل 42) في مجال محدود. فلا داعي لتحميل الواقع ما لا يحتمل.
اسماعيل بلاوعلي