تعودنا في صالات اجتماعات التحرير أن نردد عبارة «الفكرة هي أن تكون لديك أفكار». ويمكن أن تنطبق هذه العبارة التي تقال على سبيل المزحة على غير الصحافة، فحينما تجف القنوات الإخبارية من الموضوعات، يمكن دائما تسليط الضوء على موضوع له تاريخ وامتداد في الزمن الراهن. لكن حينما تصبح الساحة السياسية بأكملها غارقة في العقم، تصبح محاولات تدارك الأمور أكثر تعقيدا. هناك، إذن، أسباب حقيقية لقلق يدفعنا إلى البحث عن التفسيرات العميقة لنقص جاذبية الحياة السياسية المغربية وعواقبه على المستقبل القريب.
كل شيء يدعو لتصديق أن الحياة السياسية المغربية توجد في نقطة ميتة، نحن في انتظار شيء ما لا نعرف ماهيته على وجه التدقيق. هذه المرة، لا نعيش عطلا حكوميا مثل “البلوكاج“ الذي طبع مرحلة انتقال رئاسة الحكومة من عبد الإله بنكيران إلى “أخيه“ في الحزب سعد الدين العثماني. فعلى كل حال، فإنه ليس من الصعب العثور على رئيس حكومة، خصوصا في مشهد سياسي كل الضربات فيه مسموحة للوصول إلى شَهْد رئاسة الحكومة .ولم يسمح تعزيز أهمية هذه الوظيفة خلال مرحلة التناوب بالتخلص من الشعور بالفراغ السياسي، وهو ما كان أمرا ممكن الحدوث حتى في إطار الشكليات الديمقراطية. لكن الحماس السياسي الذي كان يتخذ طابعا حزبيا أكثر منه حكومي، لم يكن كافيا.
ستخبرك المكتبات، وسيقول لك حرفيو الشأن العام بأن السياسة، هي تماما مثل الطبيعة، تخشى الفراغ. فالفراغ في حد ذاته كمفهوم يحمل في طياته قدرا كبيرا من إمكانية زعزعة الاستقرار. بلغة أخرى، إنه تماما عكس ما ظل المغرب يحاول مرارا تكريسه، لدرجة جعله حجة لا يمكن التنازل عنها على المستوى الدولي، ومرة أخرى يتعين علينا القول إن الاستقرار يكون فارغا من أي معنى إذا لم يستمر في الزمان. كما هو الحال بالنسبة لجميع المبادئ المؤسسة للديمقراطية، فإن هذه الأخيرة هشة، يتعلق الأمر بعامل يمكن أن يكون نقطة قوة أو نقطة ضعف نظام حكامة ديمقراطي .الدبلوماسية المغربية ومنذ أربعة عقود، تمحورت وبشكل ثابت على ملف الصحراء، فالصحراء فضلا عن كونها قضية أرض، هي قضية مصيرية ووجودية، وتوصيفها بالأولوية الوطنية كافية للحشد حولها. وفي هذا التوجه غير القابل للتراجع عنه، احتضنت مراكش ما بين 25 مارس و29 مارس قمة إفريقية شارك فيها ممثلون عن 40 دولة من دول الاتحاد الإفريقي، وهي قمة زكت الطرح المغربي باعتبار مقترح الحكم الذاتي الموسع الحل الوحيد المنطقي والواقعي لهذا النزاع المفتعل من طرف الجزائر. ومراكش، –لابد من التذكير بذلك– وجهة عالمية معروفة لا يرغب أحد في تفويت فرصة زيارتها، فالضيوف يحضرون لزيارة المدينة كما يأتون لحضور الندوة. هذا الملف الحيوي الدائر في دواليب القرار الدولي، هل يمكنه أن يملأ هذا الفراغ السياسي الذي تشهده الساحة الوطنية، بلغة أخرى هل يمكنه أن يمثل الحكامة في البلد على جميع المستويات، دون السقوط في فخ الشعبوية، فإن الإجابة سلبية.
على الرغم من حصا الهواري بومدين الرئيس الجزائري الراحل في حذاء المغرب، لم تكن قضية الصحراء عائقا، بل حافزا على المبادرة والفعل، وكان على الأحزاب السياسية أن تشارك في ذلك من خلال تأطير سياسي يتبنى القرب. إن تسليط الضوء على فشل الأحزاب السياسية في ملأ هذا الفراغ بمثابة إطلاق النار على سيارة إسعاف.
يوسف شميرو
مدير النشر