تساءل أحدهم مستغربا كيف يفترض أن “إنسان إيغود” أقدم بشر في التاريخ، بينما نعلم جميعا أن آدام عليه السلام هو الأعرق! ليس في التساؤل أي ترف، إذ يطرح بحسن نية. فالنظام التعليمي يغرس في أذهان المغاربة مند الصبا نسبة البشر إلى أبينا آدم. بداهة تؤكدها كل مصادر القول الديني، في المساجد والإذاعات والتلفزيون… يزيد الأمر التباسا عندما تعرض نظرية النشوء والارتقاء، في الغالب الأعم، بنوع من الازدراء، فضلا عن الإدانة والتشويه. إنها المرادف الطبيعي للإلحاد! هكذ، بكل بساطة، رسخت الفكرة في الأذهان.
هذه هي النتيجة الطبيعية التي يصل إليها المرء، بكل حسن نية، إذا ما طرح الموضوع في نطاق الدين. ألا يقول القرآن إن آدم هو أول مخلوق من الإنس؟ فكيف يعقل أن يتصور المؤمن حقيقة أخرى، خاصة إذا اكتشفها بشر غير منتم للثقافة الإسلامية؟ ليس ثمة حل آخر سوى ترك الموضوع أساسا، وتجاهله. كأن الاكتشافات العلمية حول أصول النوع البشري وتطوره وآثاره القديمة، لم تقع أصلا. ليس الأمر حكرا على الإسلام والمسلمين، فإنكار العلم في هذه المسألة بالتحديد، يعتبر قضية مقدسة عند الأصوليين اليهود والمسيحيين.
لكن هذا التجاهل لا يمنع العلماء من مواصلة البحث والاكتشاف، وها هم يكتشفون أقدم أثر مفترض للبشر في بلادنا. وها هي السلطات الرسمية، ممثلة في وزارة الثقافة والاتصال، تحتفي بهذا الاكتشاف، بل ثمة من الإعلاميين من اعتبره “إنجازا” للمغرب. لا جدوى إذن من تجاهل الحقائق العلمية. لكن، أيضا، لا فائدة من معارضتها بالحقيقة الدينية. فهذا جدل عقيم لا يقدم ولا يؤخر. الحل في تغيير المنهجية التي يطرح بها المشكل. المنهجية التقليدية تنطلق من إيمان راسخ بأن ثمة حقيقة واحدة مطلقة حول أصل البشر وفصلهم، هي حقيقة الدين كما يفهمها المسلمون في القرآن، واليهود والمسيحيون قبلهم، في التوراة والأناجيل. لذلك، يقع إنكار الحقيقة العلمية التي يكتشفها البشر. ثمة منهجية أخرى ممكنة لا ترى أي تعارض بين الأمرين، بل توقع بينهما فصلا تاما. ينبني هذا الفصل على التمييز بين النص وتأويله. فما يفترض أنه حقيقة دينية مطلقة، لا يعدو أن يكون تأويلا لما ورد في القرآن. هكذا فهم المفسرون، قبل قرون خلت، قصة آدام باعتبارها قصة الخلق الأول. ما كان لهم أن يفهموا منها شيئا آخر غير ما فهموا، إذ لم تكن الأركولوجيا ولا أي من العلوم الحديثة، معروفة لديهم، وما كانت لتخطر على البال. لا شيء يلزمنا بالجمود عند هذا التأويل، وإلا يعدم التاريخ أي معنى، ويصبح الأمر عبثا. نعم، يمكن للمسلم أن يظل مؤمنا صادقا بكل ما أنزل في القرآن، دون أن يرى فيه أي تعارض مع ما يستجد من اكتشافات علمية. فالإيمان يقع في مجال الوجدان، غايته الفضيلة، أما العلم فيقع في ميدان العقل، غايته الفعالية. من يتصور الفصل بينهما، كمن لا يتوقع أن يكون العالم فاضلا، أو أن لا يكون المؤمن عالما بما يقع حوله! لعله المعنى العميق للعبارة المأثورة: العلم نور.
إسماعيل بلاوعلي