كان للمغرب دوما سياسة عربية مِقدامة، وتجلّت في محطات أساسية كانت مناسبة لتنقية الأجواء، على الساحة العربية، أو تبني تصورات جوهرية استراتيجية .فقد احتضنت مدينة الرباط مؤتمرا في سنة ،1974 في إطار قمم الجامعة العربية، عقب حرب أكتوبر في سنة ،1973 وهي القمة التي كرّست منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وأنهت، من ثمة، الخلاف ما بين المملكة الأردنية الهاشمية ومنظمة التحرير، الشيء الذي هيأ للزعيم ياسر عرفات أن يلقي خطابه الشهير في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة ،1974 وكان أشهر ما جاء فيه: «جئت إليكم وأنا أحمل غصن زيتون في يدي، وفي اليد الأخرى أحمل بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي، لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي». وتبنّي المغرب مخطط قمة فاس، في سنة 1982 الذي شكل الأرضية الأولى لاختراق في ملف النزاع العربي الإسرائيلي، وانعقدت قمة الدار البيضاء في سنة 1989 التي كرست عودة مصر إلى جامعة الدول العربية.
اهتز العالم العربي مع أزمة الخليج، إثر اجتياح العراق للكويت في غشت سنة ،1990 وكان المغرب أول دولة تُدين فعل القوة، في مجلس وزراء برئاسة الملك الحسن الثاني .هذا للتذكير بثوابت السياسة العربية للمملكة. تغير العالم العربي، وتغيرت الأولويات والأسلوب. وينبغي ها هنا التذكير، أنه في ظل السياق الجديد الذي أعقب 11 شتنبر ،2001 حرص المغرب على أعلى مستوى، الحضور في القمة العربية التي انعقدت بالعاصمة اللبنانية بيروت في مارس 2002، التي كرّست ما عُرف بالمبادرة العربية، وقدمتها المملكة العربية السعودية، من أجل حل الدولتين.
في ظل التحولات العالمية الكبرى والإقليمية كذلك، ينظر المراقبون إلى القمة العربية في العاصمة السعودية الرياض، المقرر انعقادها في ماي الجاري، باهتمام بالغ، ويرون فيها قمة غير القمم التي انعقدت في السنين السالفة، والتي كانت أغلبها جعجعة من غير طِحْن. والمُعوّل أن يحضر المغرب بثقله في هذه القمة، بالنظر للسياق الدولي المتحول، وبالنظر لوزن السعودية، وللعلاقات المتميزة، بل الاستراتيجية بين المملكة المغربية والمملكة السعودية.
لا بأس أن نُذكّر ببعض القضايا المعلومة، وهو أن مركز القوة والتأثير في العالم العربي انتقل إلى منطقة الخليج، مثلما أن بؤرة العالم، هي آسيا والمحيط الهادئ …لقد أبان المغرب عن حصافة في تغيير شركائه، ولذلك حضور المملكة النوعي في قمة الرياض لن يكون إلا تكريسا للرؤية الاستراتيجية التي انتهجتها الرباط منذ عقدين. في خضم التغيير الذي يعرفه العالم، وينعكس على العالم العربي، ينبغي تبني مقاربة واقعية، أو فلنقل برغماتية حيال الملف السوري.
لا يمكن أن نبقى حبيسي الرؤية الرومانسية لمقاربة “أصدقاء سوريا“، وينبغي أن نضع نصب أعيننا الوشائج التي تربطنا بالشعب السوري، فدماء جنودنا البواسل سالت في هضبة الجولان، وهو موثق يربطنا بالشعب السوري، بغض النظر عن التحولات التي تعرفها السياسة، داخليا، وعلى مستوى العلاقات الدولية.
العمق الإفريقي للمغرب لا يتنافى والبعد العربي للمغرب .وينبغي أن نستثمر في هذا البعد، ليس لاعتبارات رومانسية، ولكن لأن ذلك يخدم مصالحنا الاستراتيجية، ومنها وحدتنا الترابية.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير