تُطلق الصين على مشروع ضخم ترعاه، يتوخى، بريا، فك العزلة عن آسيا الوسطى، بمد الطرق والسكك الحديدية والألياف الإلكترونية، طريق الحرير، ولو أن التسمية الدقيقة هي مبادرة الحزام والطريق، أو ما يُعبَّر عنه بالحروف الأولى عن الإنجليزية بـ(BRI (Belt and Road Initiative، ويُعتبر المشروع أكبر مشروع استراتيجي، بعد الحرب العالمية الثانية، يفوق مشروع مارشال.
ويَحق القول الحديث عن مشروع “طريق الذهب“، لِما أطلقه المغرب، على لسانه عاهله، الملك محمد السادس، بفك العزلة عن دول الساحل من خلال تمكنيها من واجهة بحرية على الأطلسي… لا يقل هذا المشروع خطورة (أهمية)، عن مشروع طريق الحرير، فمن شأنه أن يفك العزلة عن دول الساحل التي ليس لها منفذ على البحر، وتوجد في تضاريس وعرة، من صحاري أو جبال. تزخر هذه البلدان بثروات طبيعية هائلة، ومؤهلات جمة، ولكنها مُعطّلة بسبب وضعها الجغرافي، مما ينعكس على وضعها السياسي، من خلال ما يسميه الخبراء بالإرهاب المحلي، أي توظيف فرانشيز الحركات الراديكالية لاعتبارات محلية بالأساس. فتيل الراديكالية لم يخمد في دول الساحل، ولا يمكن دحره بالمقاربة الأمنية وحدها ولكن بإدماج دول الساحل من خلال تمكينها من منفذ على المحيط الأطلسي. المسألة ذات بُعد أمني واستراتيجي فائق القيمة.
تاريخيا، كانت إفريقيا جنوب الصحراء مرتبطة بشمالها، من خلال طريق الذهب، و“مرافئ“ صحراوية، كان أهمَّها على الإطلاق سجلماسة حيث كانت تنطلق القوافل إلى عمق الصحراء، لتجلب الذهب والملح، وكانت من المواد الأساسية حينها، إلى أن تم القضاء على طريق الذهب بعد الإبحار من رأس الرجاء الصالح، ومن حينها أخذت التجارة الصحراوية تذوي، والارتباط بين المغرب وجنوب الصحراء يضعف، إلى أن أطبق عليه الاستعمار، وفك الارتباط بين الشمال والجنوب.
يَعتبر المؤرخ البوريكانبي الكبير زيربو العلاقة بين شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، بمثابة دفتي باب، الواحدة مقترنة بالثانية، إلى أن عمل الاستعمار، (ومتحولاته) في فك الارتباط بين المكونين. تمكين دول الساحل من واجهة بحرية وفك العزلة عنها أو “طريق ذهب“ جديد، إن صح هذا التعبير، هو كما عودة النهر إلى مجراه، وهو خيار استراتيجي، ينضاف إلى خط أنبوب الغاز النيجيري عبر شريط المحيط الأطلسي.
مشروع استراتيجي، مثل “طريق الذهب“، من شأنه أن يُغيّر الجزء الغربي من إفريقيا، وهو لذلك يحتاج إلى تعبئة على المستوى الدولي، من قِبل الدول الكبرى وبالأخص أوربا والولايات المتحدة، لأنه يدمج مناطق معزولة، ويخمد فتيل التطرف، ويحد من الهجرة، ويمد أوربا بالثروات الطبيعية. لا ينبغي لانخراط هذه المجموعة أن يقل عما تبديه الصين فيما يخص طريق الحرير، وألا تكتفي بـ“خدمة الشفتين“، كما في مشاريع ضخمة انتفشت كما إعلان برشلونة (1995)، أو اتحاد من أجل المتوسط. ويحتاج المشروع بالضرورة تهيئة من قِبل المغرب، ليس فقط من حيث البنيات الأساسية، مما انخرط فيه المغرب، ولكن كذلك سياسية من خلال طبقة سياسية تعي الرهانات الاستراتيجية الكبرى في عالم متحول، وثقافية كذلك، على مستوى المجتمع المدني، بالاستثمار، إن صح هذا التعبير، في كل ما من شأنه أن يشد اللحمة مع إفريقيا جنوب الصحراء. ندرك أن الصين في مشروعها طريق الحرير، توظف أداة ناعمة هي معاهد كونفشيوس. المغرب ليس هو الصين بكل تأكيد، ولكن فكرة استراتيجية جيدة تحتاج إلى مواكبة ثقافية أو أدوات ناعمة، تهيء لها، وترافقها، وتدعمها.
طريق الذهب ينبغي أن ينطلق من المدرسة كذلك، ومن الإعلام. لا ينبغي أن يبقى شأن خبراء ومختصين، أيا كانت اهتماماتهم. وندرك كم سيكون هذا المشروع مزعجا لدعاة الستاتوكو
(Statuquo)، أو متحوري الاستعمار. ولذلك يحتاج مشروع طريق الذهب إلى أدوات ناعمة مواكبة.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير