أحسنت الحكومة صُنعا أنْ أدانت في بلاغ لها خطابا ينضح بالكراهية ضد المهاجرين الأفارقة، مع ما يطبع ذاك الخطاب من بذاءة في التعبير وتحامل مجاني وعنصرية مقيتة، في وصلات للتواصل الاجتماعي. لا حاجة للتذكير بأن المغرب إفريقي، وأي مساس بأي مواطن إفريقي أو الزراية به هو قدح في ذواتنا لأننا أفارقة. الجغرافية الطبيعية للمغرب انعكست على الجغرافية البشرية، ولذلك كان المغرب، وما يزال، حسب ما كان ينعته به الجغرافيون الفرنسيون في فترة الحماية من أن المغرب أوربي من حيث جغرافيته، إفريقي من حيث تركيبته البشرية، أو في جزء كبير منها، في الواحات، وفي الحواضر الكبرى، مراكش ومكناس وفاس والرباط وسلا، وحصل من ذلك تصاهر وتلاقح…
ما يُدان، وما ينبغي أن يدان هو المساس بالنظام العام، أو الإخلال بالمقتضيات القانونية. والدولة وحدها، وليس غير الدولة، بأدواتها القانونية والبشرية، مُخوَّلا للتصدي لما هو مساس بالنظام العام، أو مُجرّم حتى، أو حالة ليست في وضعية قانونية.
الهجرة ظاهرة معقدة، وتستفحل مع الأزمات التي يتخبط فيها العالم، ولا يمكن حلها بخطاب، أو وعظ، أو مقاربات أمنية قوية، لكن هذا موضوع آخر. سبق لبلادنا أن احتضنت معاهدة مراكش حول الهجرة، تحت رعاية الأمم المتحدة، ولا يمكن لبلد احتضن لقاء أمميا من هذا المستوى أن يصدر منه ما يسيء للمهاجرين، أو ما يمَس كرامتهم، فضلا عن التوجه الاستراتيجي الذي انتهجه المغرب بالاستثمار في بعده الإفريقي.
ندرك الضائقة الاقتصادية التي تمر بها بلادنا ويمر منها العالم قاطبة، ويمكن للهجرة وفق ضوابط تخضع للقانون، أن تكون مكسبا للمغرب والمغاربة، وهناك حالات لقصص نجاح لأفارقة، أو غيرهم من السوريين. ينبغي أن نستحضر أن المهاجرين لم يختاروا أوضاعهم، هم ضحايا في بلدانهم أولا، وضحايا مافيات تتاجر بالإنسان. ثانيا، فلا ينبغي لبلد عريق يعتز بتنوعه ويفخر بعمقه الإفريقي، أن يصدر عنه ما يسيء لهذا الغنى بالمساس بكرامة المهاجرين.
حق الرأي مكفول طبعا، والتفكير واجب في الانعكاسات الممكنة التي يعرفها المغرب، من مَعبر للهجرة أو “ترانزيت“ إلى وجهة لها، ولكنه لا يقوم حجة للعنصرية أو خطاب الكراهية.
ولئن أحسنت الحكومة صنعا في بلاغها ضد خطاب العنصرية، فينبغي أن يواكب ذلك إجراءات لتجريم خطاب الكراهية، حتى لا يبقى التسامح مجرد خطاب، وأن يسنده عمل المجتمع المدني، دائم ومستمر وغير موسمي.
وينبغي لسفارات الدول المعتمدة أن تكون وسيطا ما بين جاليتها والحكومة المغربية، يتم إطلاعها بالأمور قبل اتخاذ أي قرار في الحالات المنافية للقانون أو المتعارضة مع الرأي العام.
وينبغي تحسيس الهيئات التابعة للأمم المتحدة التي تُعنى بالهجرة لإخطارها بالأوضاع و بالمستجدات والتفكير معها في إيجاد حلول تحفظ كرامة المهاجرين.
قبل سنة استقبل عالم دين، لا أذكر اسمه تقديرا له، لأنه يأبى أن يشيع عنه ما يراه واجبا، فعاليات أممية، حول ما يستطيعه الخطاب الديني من تأطير المهاجرين، وعبّر عالم الدين بعد اللقاء عن استعداده الدعم المادي للمهاجرين، من حيث السكن والإطعام، وسألت المسؤولة الأممية، هل يقتصر أمر المساعدة على المهاجرين المسلمين، فغضب الشيخ، ورد في رفق وهو يواري غضبه: «قلت المهاجرين، مسلمين أو غير مسلمين، من غير تمييز، إذِ الخلق عيالا لله».
لقد حدّث عالم الدين هذا بعبقرية المغرب، ولا يمكن لعبقرية المغرب أن تكون إلا كذلك، أما العنصرية، خطابها وممارستهما، فلا هي تنسجم مع حقيقة المغرب ولا خياراته، ولا يمكن أن نقبل بها، ويتوجب التصدي لها.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير