يرى مسؤولون، في حلف شمال الأطلسي، الموجة الثانية من “الربيع العربي” قريبة من شواطئ بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط. موجة قادمة لا محالة، ما لم «تتعامل هذه الدول مع الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وتجد حلولا لها»، كما نقل عن نيكولا دي سنتيس، مدير الشؤون السياسية لشمال إفريقيا والشرق الأوسط في حلف “الناتو”، أثناء مؤتمر عقد بالرباط في 20 أبريل الماضي، وقد ورد هذا الكلام في النشرة الالكترونية لقناة “الجزيرة” القطرية، وهي المعروفة بصلاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، قائدة هذا الحلف العسكري الأقوى في العالم. لماذا يخصص “الناتو” قسما سياسيا يهتم بشؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط؟ ولماذا يحمل حلف عسكري، لهذه الدرجة، هموم الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية لبلدان بعيدة عنه؟ تقدم نظرية المؤامرة جوابا واضحا: إنهم يتآمرون علينا. يشعلون الفتن لتقسيم البلدان، ونهب الخيرات، بدعوى الإصلاح والحرية والديمقراطية… فلا يدرك الغافلون حقيقة الأهداف الشريرة للأيادي المتحركة في الخفاء، إلا بعد فوات الأوان.
يعاب على هذه النظرية نهجها التبريري التبسيطي، فهي لا ترى في الطوارئ السياسية سوى نتيجة للمؤامرات الغامضة التي يحيكها الآخرون، وتسقط من اعتبارها المسؤوليات الذاتية عن الفشل. الواقع أن السياسة الدولية قائمة فعلا على المؤامرات، وثمة أجهزة ظاهرة وخفية لا شغل لها سوى صناعة المؤامرات، والدعاية لها بالتضليل وتوجيه الأخبار و”التحاليل” واختلاق الأكاذيب. ليس سرا أن العلاقات الدولية مجال للصراع الدائم حول التوسع والهيمنة، القوي يأكل الضعيف، وكل ما بلغته البشرية خلال القرن الماضي من مؤسسات ومحاكم ومواثيق إنسانية، إنما يلطف الطغيان، دون أن يدفع شره.
من البديهي إذن، أن يكون إدراك المؤامرات جزء من أي تحليل سياسي موضوعي. تكمن المشكلة، فقط، في جعل نظرية المؤامرة العنصر الوحيد في التحليل. ثمة عناصر أخرى تفرض نفسها بداهة، على أي راغب في تحليل الأسباب التي كانت وراء موجة 2011، وتلك التي يمكن أن تأتي بموجة ثانية يراها الغربيون قريبة من شواطئنا. لا يتصور عاقل أن يخرج الناس مغامرين بأرواحهم في شوارع تونس والقاهرة وغيرها، لمجرد أن الأيادي الشريرة في الغرب غسلت عقولهم. ثمة أسباب قائمة في الواقع اليومي تدفعهم للمخاطرة بأرواحهم في سبيل الحرية والكرامة، فيحدث أن تلتقي “الثورة” مع أهداف المتآمرين المفترضة. تكمن جذور الشر إذن، في هذه التربة الخصبة التي يمكن أن تنمو فيها أسباب السخط والثورة، وإبطال المؤامرات يبدأ بقطع تلك الجذور، بالديمقراطية الحقة، بالسيادة المطلقة للحرية والمساواة أمام القانون، وأمام جباة الضرائب… بكل ما يمثل الحداثة.
تبدو وضعية المغرب، بالذات، معقدة نظرا لكونه مطوقا من كل جانب، فمخاطر الانفصال والتقسيم موروثة عن موجة قديمة من المؤامرات الاستعمارية. إذ قضية الصحراء المغربية في الأصل قضية تصفية الاستعمار الاسباني للمنطقة، وما رافق ذلك من فشل وحدة المغرب الكبير، وتعثر البناء الديمقراطي. وما يزال المغرب يتعرض للابتزاز، كلما حل شهر أبريل، كما أوضح الخطاب الملكي في الرياض. لكن قطع جذور الشر ما يزال ممكنا، بل هو السبيل الوحيد لمواجهة المؤامرات، ما ظهر منها وما بطن. صحيح أن لكل بلد أوضاعه الخاصة، لكن أحداث 2011، وما تلاها، تؤكد أن الهشاشة الديمقراطية، خير حليف للمتآمرين.
إسماعيل بلاوعلي