نال ابن رشد من النقد والتجريح ما لم ينله باقي الفلاسفة المسلمين. تلقى ذلك في حياته، واستمر بعد مماته، فهناك من يعتبره صاحب بدعة وملحدا ضالا.
خصومة كبرى تطبع العلاقة بين تيار أهل السنة والجماعة التاريخي وامتداداته المعاصرة من مذاهب عقدية وفقهية وحركات إيديولوجية، وبين الفيلسوف والفقيه ابن رشد الحفيد (المتوفى عام 1198م)، لدرجة تكفيره وإخراجه من ملة الإسلام، ورميه بالزندقة والإلحاد، رغم كل ما يحظى به من تقدير لدى باقي التيارات الإسلامية، واحتفاء حتى من الغرب وكل مجامع العلم والمعرفة، فما هو السبب في كل هذا العداء؟ ولماذا تعرض ابن رشد لكل هذه الحملات؟ وما هي الاختيارات والمواقف التي جلبت له كل هذا النقد الحاد؟
أهل السنة والجماعة والفلسفة
تتعدد أسباب الخصومة بين تيار أهل السنة والجماعة وابن رشد، إلا أن ما يجعلها منطقية ومنتظرة، هو اشتغال ابن رشد بعلم الفلسفة، واعتباره واحدا من كبار فلاسفة المسلمين. ومن المعلوم أن علاقة هذا التيار بالفلسفة متوترة جدا، فقد حذر كثير من الفقهاء من دراسة الفلسفة، ومن أشهر فتاواهم في ذلك موقف ابن الصلاح الشهرزوري (المتوفى عام 1245م) من الفلسفة والمنطق والاشتغال بهما، فقد حرم ذلك مطلقا، واعتبرها خدعة ومكرا من الشيطان، بل حرض السلاطين على اضطهاد المشتغلين بالفلسفة وعزلهم وحبسهم، «فالواجب على السلطان أعزها لله وأعز به الإسلام وأهله أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم، ويخرجهم من المدارس ويبعدهم، ويعاقب على الاشتغال بفنهم، ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو الإسلام لتخمد نارهم، وتنمحي آثارها وآثارهم، يسرا لله ذلك وعجله، ومن أوجب هذا الواجب عزل من كان مدرس مدرسة من أهل الفلسفة والتصنيف فيها والإقراء لها ثم سجنه وإلزامه».
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 94-95 من مجلتكم «زمان»