ها نحن مجددا في لحظة انتظار لا نعرف متى تنتهي. ماذا ننتظر؟ وحدهم المنجمون من يملكون الإجابة عن هذا السؤال، بالنظر للمستوى اللاعقلاني الذي باتت عليه الحياة السياسية المغربية، متحدية كل قواعد المنطق. لقد جرى إعفاء أربعة وزراء في قطاعات أساسية لأسباب مرتبطة بأدائهم في الحكومة السابقة. يتعلق الأمر بكل من محمد حصاد، وزير الداخلية أثناء أحداث الحسيمة والتربية الوطنية في الحكومة الموالية، نبيل بنعبد الله والحسين الوردي، اللذين استمرا في نفس منصبيهما في السكنى وسياسة المدينة والصحة، فضلا عن العربي بن الشيخ، مدير مكتب التكوين المهني، وعلي الفاسي الفهري، مدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. زيادة على كل من رشيد بلمختار، لحسن حداد، لحسن السكوري، أمين الصبيحي، وحكيمة الحيطي، الوزراء في الحكومة السابقة. ثم أربعة عشر موظفا ساميا. عملية مثيرة، يفترض أن تعكس على أرض الواقع تلك الإرادة السياسية التي أعلن عنها في الخطاب الملكي ليوم الجمعة 13 أكتوبر الماضي، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الحالية. هكذا قضي الأمر، في انتظار التطور المأمول نحو فصل حقيقي بين السلط.
يطبق القانون بالضرورة بأثر رجعي، عندما يتم التعامل معه في إطار المرجعية التقليدية. لكن هذا القانون ليس مقدسا لدرجة عدم إخضاعه للنقاش العمومي المفتوح ولتضارب الآراء والتصورات. بعد صدور القرارات المشار إليها، لاحظنا فورة في ردود الأفعال المرحبة دون أدنى تحفظ. مما لا شك فيه أن هذه ليست الوسيلة الأفضل لتطوير النقاش. لعل سيادة هذا النمط في التفكير، بمناسبة التعاطي مع الإعفاءات الأخيرة، يدعونا لطرح تساؤلات أكثر مما يمنحنا من إجابات.
مبدئيا، تعتبر الإقالة عقوبة مهنية وفردية أكثر منها تعديلا حكوميا تمليه مقتضيات اللعبة السياسية. إن الخلاصات التي انتهت إليها هذه التحقيقات، المؤطرة من طرف المجلس الأعلى للحسابات والمعلن عنها يوم الثلاثاء 24 أكتوبر الماضي، لا تندرج ضمن المساطر المعمول بها. إنها أشبه، بالأحرى، بعقوبة جماعية تبتغي تجاوز التقاطبات السياسية الموجودة. ففي كل الأحوال، يوجد خيط ناظم يضيء الأحداث كأنه منارة في ساحل خليج الحسيمة، المدينة التي انطلق منها كل شيء. لنعد أولا إلى أصل الحكاية. يتعلق الأمر بمشروع متعدد القطاعات كان يفترض أن يتم البدء فيه منذ أبريل 2015، تاريخ تدشينه من طرف الملك محمد السادس. في حين لم ينعقد أول اجتماع لتدارس انطلاقته المفترضة إلا بعد سنة ونصف من هذا التاريخ. كأن نمط الحكامة المتبع لا يعاني أصلا من معضلة التأخر، يبرز هذا الحدث ليدلنا أكثر على مدى الارتباك في علاقتنا بالزمن. “لا زربة على صلاح!” على حد تعبير المثل المغربي الدارج. أو بتعبير الراحل عزيز بلال، عندما وصف هذا الميل لإغفال الزمن، بكونه “عاملا غير اقتصادي للتخلف”.
لقد كان يفترض أن تتحول “منارة المتوسط” فعليا إلى قاطرة اقتصادية وتنموية تجر كل المنطقة الشمالية، ومركز جذب لمجمل الحوض المتوسطي. لكن لا شيء من هذا حصل. ليس بسبب وجود اختلاسات، بل فقط بفعل الوقت المهدور، والذي لا يقل فداحة عن إهدار المال العام. ليس في التذكير بهذا المعطى أية دعوة لمطاردة الساحرات، بل فقط محاولة للتنبيه لثغرة في تقرير السيد إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات.
لذلك، تتبادر إلى الذهن بعض الأسئلة الأولية. لماذا الانتظار كل هذه المدة، إلى أن تقع مواجهة في الشارع سميت بـ”حراك الحسيمة”، بما حملته من خسائر ومتابعات قضائية (ما تزال جارية لحد الآن)، لكي تبادر السلطات العمومية أخيرا لرد فعل آخر، غير المقاربة الأمنية؟
لماذا تغيب رقابة مستمرة، على مراحل معينة، تفحص مدى التقدم في إنجاز مثل هذه المشاريع الضخمة؟ لماذا لم تنور هذه “المنارة” الأسطر الأولى لبرامج مسؤولينا المنتخبين والإداريين؟ ثم، لماذا تطلب الأمر تدخل الملك بنفسه لرفع الغطاء عن هذه الطنجرة المحترقة؟ وأخيرا، يحق لنا التساؤل باستغراب عن السر الذي يجعل حكومة سعد الدين العثماني ما تزال قائمة، رغم كل ما يقع؟ يبدو أن رئيس الحكومة قد استطاب حلاوة منصبه.
من الآن فصاعدا، سيقدم المسؤولون الحساب عن أدائهم، هذا ما يقال لنا، دون أية إشارة إلى ما يقع اليوم.
خلاصة القول، “زلزال” جزئي، أفضل من لا شيء.
يوسف شميرو
مدير النشر