أصدرت غرفة الجنايات بفاس في آخر يوم من فبراير 2022 حكمها بثلاثين سجنا نافذة على أحد “لفقها“ بمدينة فاس، تعجز العبارات عن وصف شناعة ما ارتكبه هذا المجرم من اعتداء واغتصاب لابنته الصغيرة، وما نتج عن ذلك من حملها ومحاولتها الانتحار، في مشهد بلغ الغاية في القرف والبؤس، ويستحق صاحبه أقسى درجات العقوبة.
أثارت هذه القضية لدي تساؤلا حول مصير نتائج الاستشارات الموسعة التي قام بها كل من وزيري العدل والشؤون الإسلامية رفقة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة ،2015 والتي قدمت بعد ذلك بين يدي الملك، وكان الاتجاه فيها نحو السماح بالتوقيف الإرادي والطبي للحمل عندما يشكل الحمل خطرا على حياة الأم أو على صحتها، وفي حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم وحالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين.
ورغم كل الملاحظات حول هذه الخلاصات، وإن كانت كافية لحل الإشكاليات المرتبطة بالرغبة في توقيف الحمل، لكنها على الأقل تعد تطورا مهما عما عليه الحال في القانون الجنائي المعمول به حاليا، والذي لا يسمح فيه بالتوقيف إلا في حالة واحدة، حيث تكون الأم معرضة للموت حال محافظتها على الحمل، لكنها بقيت إلى اليوم حبرا على ورق، في ظل بقاء مسودة القانون الجنائي حبيسة البرلمان دون نقاش لسنوات عديدة، قبل سحبها من طرف وزير العدل الحالي في بداية ولايته، واختلاف الروايات والتحليلات حول سبب السحب وسياقاته.
لكن ما هو مؤكد أن الوزارة مقبلة في الأيام القادمة على طرح مسودة قانون المسطرة الجنائية، وبعدها مسودة القانون الجنائي، وكلنا ترقب لما يمكن أن يحمله القانون من مستجدات وتعديلات، وإن كان على مستوى الانتظارات والآمال التي يرجوها كثير من الحالمين بمغرب يسارع الخطى نحو الحداثة والتقدم، ويقدم نفسه دولة عصرية راعية لحقوق الفرد والجماعة، خاصة وأن مقدم المشروع ومقترحه رجل حداثي طالما كان مدافعا عن قيمها ومواقفها، وطالما ردد أن حزبه يؤمن بالحداثة، ويسعى للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان.
ننتظر من القانون الجنائي القادم أن يحسم في القضايا المرتبطة بالحريات الفردية، فلا يليق بدولة عصرية أن تحاسب الناس أو أن تكون عليهم رقيبا في خلواتهم الخاصة، أو تعاقبهم لارتكابهم مخالفة دينية، أو بسبب اختياراتهم الجنسية، ما دام ذلك كله لا يضر بالنظام العام، ولا يحدث أي تشنج داخل المجتمع، ولا يتعارض مطلقا مع دين الدولة واختيارها المذهبي، هي حرية خاصة يمارسها المرء بفضائه الخاص، عن اختيار واقتناع عائد إليه، ولا يمكن لأي حد التدخل ولا المتابعة، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
ننتظر من القانون الجنائي القادم أن ينفتح على مذاهب فقهاء المسلمين حول توقيف الحمل الآمن، ففيها مخارج عديدة، وتوجهات مختلفة، بين من يرى جواز ذلك قبل أربعة أشهر، ومن يقول أربعين يوما، ومن يرى أن ذلك لابد له من سبب، ومن يوسع الباب ليشمل حتى من ليس له سبب، ما دام المتكون في بطن المرأة مضغة من لحم ودم لا حياة فيها ولا روح ولا تخلق، من شأن الانفتاح على هذه الأقوال التي تعتبر مذهب جمهور الفقهاء، تقديم حلول مهمة لكثير من الراغبات في توقيف حملهن لأسباب منطقية، وفي ظروف قانونية وآمنة، بدل ما هو واقع اليوم، من إجراء هذه العمليات بسوق سوداء لا أمن فيها ولا ضمان ولا حماية.
ننتظر بالإجمال من هذا القانون، تكريسا لمزيد من الحريات بمختلف مستوياتها، وقضاء على كل أشكال التمييز، ودفاعا أكبر عن حقوق المرأة وحماية مكتسباتها، وسعيا لمزيد من العدالة والإنصاف، ومحاربة أكثر جدية للفساد والجريمة، فنحن أمام فرصة تاريخية لتحقيق إصلاح شامل ومتكامل ومتناغم، وإن لم يكن ذلك على عهد وزير بمرجعية حداثية، فمتى يكون ذلك؟
محمد عبد الوهاب رفيقي
كاتب رأي