لعل أبرز حدث عرفه المغرب خلال الأيام الماضية، هو استقبال سعد الدين العثماني لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، قام بذلك بصفته أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية وليس رئيسا للحكومة المغربية. تأتي هذه الزيارة – وإن قيل إن الترتيب لها كان قبل ستة أشهر – بعد أيام فقط عن توقف المواجهات العسكرية الأخيرة بين الدولة العبرية وحماس، وشهورا فقط عن توقيع المغرب للاتفاق الثلاثي وتفعيل العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل .ومن المؤكد أن هذه الزيارة لا يمكن أن تتم دون تأشير السلطات العليا بالمغرب، ودون تنسيق مع وزارة الخارجية.
يوما قبل هذه الزيارة، هنأ الملك محمد السادس نفتالي بينيت بمناسبة انتخابه على رأس حكومة تل أبيب، وهو ما يؤكد الرؤية التي يحاول المغرب دوما تثبيتها في تعامله مع القضية الفلسطينية، والمرتكزة على خلق تدبير متوازن وعقلاني مع مختلف الأطراف.
لكن الموضوع برأيي هو أكبر من كل هذا. واضح أن المغرب يريد أن يضطلع بدور في التفاوض بين الأطراف المتنازعة، حتى إسرائيل لم تعلق على زيارة هنية، وتحدثت عن دور المغرب في نشر السلام والأمن بالمنطقة، فيما هنية ركز في خطابه على أن زيارته برعاية الملك، ولم يتعرض في كلمته نهائيا لمسلسل التطبيع الذي دخله المغرب، مما يشير لدور جديد يمكن أن تلعبه المملكة في هذا الباب.
لا يمكن عزل كل هذه المستجدات عما يقع بواشنطن، فبعد ذهاب ترامب الذي لم يكن صراع الشرق الأوسط من أولوياته، رتبت الإدارة الجديدة أولوياتها من جديد، وعادت السياسة الخارجية لتحتل مكانا متقدما في التوجهات الكبرى للدولة، وقد تسربت عدة أخبار تفيد بأن واشنطن قد وجدت صعوبة في إيجاد وسيط يتمتع بمصداقية عند كل الأطراف، ويمكنه إقناع الطرفين بوقف إطلاق النار خلال المواجهات الأخيرة.
صحيح أن القاهرة قامت دوما بهذا الدور، لكن المتغيرات التي عرفتها مصر في السنوات الأخيرة، والصراع الذي يخوضه النظام ضد حركة الإخوان المسلمين، وحماس جزء من هذا التنظيم، جعل دورها يضعف شيئا فشيئا، خصوصا أن حماس ترفض بشكل قاطع جرها للدخول في حكومة وطنية وفق شروط الرباعية، وهو ما يجعل البحث عن بديل للقاهرة أمرا ملحا.
ما يزيد من ترجيح هذا التوجه، الرسائل الإيجابية المرسلة من واشنطن نحو الرباط، فمناورات الأسد الإفريقي شملت منطقة المحبس، رغم كل ما قيل حول الموضوع، من تأكيد رئيس الحكومة والبنتاغون، قبل أن يؤكد الملك ذلك بنفسه، وقبل أن تشمل المناورات فعلا منطقة الصحراء المغربية، ثم لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئيس الحكومة الإسبانية على هامش اجتماع قمة الحلف الأطلسي، وهو اللقاء الذي لم يدم إلا دقائق قليلة في ممر مقر الناتو، خلافا لما بشرت به الصحافة الإسبانية، من لقاء مصيري بين الرئيسين.
كل هذا يشير إلى أن واشنطن قد تراهن على دور المغرب في إدارة تفاوض هادئ، خصوصا بعد ما قام به من دور فاعل في تدبير الأزمة الليبية، وتحقيقه لنتائج مهمة.
لكن ما يثيرني في الموضوع، بعيدا عن كل ما سبق، هو كيفية تدبير العدالة والتنمية لهذه الزيارة، أعلم أن الحزب يريد استثمار الحدث لاسترجاع بعض ما ضاع من شعبية، خاصة بعد توقيعه على الاتفاق الثلاثي، ويريد رأب الجسم الداخلي المتصدع، والذي تؤكده حالات الانسحاب والاستقالة المتسارعة، لكن هذا كله لم يكن يمنع العثماني من أن يحقق بعض المكاسب لما فيه صالح الوطن.
لم يرقني إطلاقا أن يؤكد العثماني في كلمته أمام هنية مرارا وتكرارا على موقع القضية الفلسطينية في وجدان المغاربة ملكا وشعبا، وأنها تعادل في قيمتها قضية الصحراء المغربية، لكنه لم يحظ في المقابل بأي كلمة دعم من هنية في الموضوع، ولا حتى تهنئة على ما حققه المغرب من مكاسب، وإن كان العثماني يعلم أنه من الصعب على هنية التصريح بذلك، بسبب علاقات حماس الاستراتيجية مع طهران والجزائر، وحرصها على الحياد في الصراع الدائر بين الجارين، فكان عليه على الأقل الاقتصاد في خطابه الذي كان معدا ومكتوبا، ومع ذلك كان مشحونا بدغدغة العواطف وإثارة المشاعر، كما فعل هنية الذي كان خطابه عفويا ودون ورقة مكتوبة، فيما كان مضمونه دقيقا وبراغماتيا وبه كثير من الحرص والرسائل الملغومة.
محمد عبد الوهاب رفيقي
كاتب رأي