الأغلبية ها هي والحكومة أين هي! لعلها المرة الأولى التي يجد فيها بلد خاضع للنظام الانتخابي نفسه في هذه الوضعية المدهشة. رئيس الحكومة يعجز عن تشكيل أغلبية حكومية، بينما ينجح معارضوه في ذلك. نظريا، ثمة حل منطقي واحد لتجاوز الأزمة، أن يحل مجلس النواب وتعاد الانتخابات. هذا ما ينادي به حزب الاستقلال، القوة الثالثة في المجلس، منذ بداية الأزمة، ويتفاداه باقي الفرقاء. عمليا، يبدو هذا الخيار مستبعدا، ليس بسبب كلفته، بل لكون المشكل مفتعل. الأطراف التي تهرب من المشاركة في تكوين الأغلبية الحكومية ليس لها أدنى خلاف مع رئيس الحكومة حول البرامج والتوجهات، مشكلتها الوحيدة تكمن في ما يمثله هذا المنصب، تحديدا، وهدفها الظاهر يتجلى في إفراغه من محتواه.
ليس سرا أن جوهر المخاض الذي عاشه المغرب بعد استقلاله يدور حول هذه العقدة بالتحديد. أن يسود التأويل البرلماني للدستور، فتنبثق الحكومة من البرلمان، إذ هو المعبر نظريا عن الإرادة الشعبية، ثم يجدد الناخبون ثقتهم فيها أو في غيرها، بعد أجل معلوم… باعتماد الدستور الحالي أضحى إدراك هذا الأفق أقرب من أي وقت مضى، لكن النصوص شيء والواقع شيء مختلف، لذلك يقع الحديث عن “تأويل”، والتأويل ليس شيئا آخر غير ما يفعله البشر بالنصوص. وما فعلته الأطراف، التي اختارت يوم الاثنين 16 يناير الماضي، أغلبية برلمانية خارج تلك التي كلف رئيس الحكومة بتكوينها، نموذج للتأويل الرجعي للدستور.
ما حصل يومئذ يشكل، في نفس الوقت، نموذجا للأزمة التي بلغها رعاة هذا التأويل الرجعي. فأن يصل الأمر إلى محاصرة رئيس الحكومة المعين، من خلال رئاسة مجلس النواب، دليل على أن الأساليب الأخرى فشلت، أو أن جدواها أضحت نسبية. هذا في حد ذاته تطور بالمقارنة مع الأمس القريب، حيث كان فرض مثل هذا الترتيب السلطوي للأوضاع يتم في الكواليس دون اضطرار لكل هذا الارتباك.
ماذا بعد؟ يستطيع رئيس الحكومة، كما يتوقع منه البعض، أن يعلن فشله في تشكيل الأغلبية الحكومية، لتنتفح الأزمة على مختلف الاحتمالات السياسية والدستورية، كأن يتجه البحث عن شخص آخر من حزبه أو يقع توافق حول صيغة استثنائية لتدارك الموقف… سيكون الحل ظرفيا بالتأكيد دون أن يحل العقدة. هذا ما تكشفه كل تجارب الماضي، فكلما تأجل الحسم في سيادة التأويل البرلماني، يؤتى بصيغة
لتهدئة الوضع، ثم سرعان ما تعود الأزمة بعد بضع سنوات. دوران في حلقة مفرغة.
إسماعيل بلاوعلي