خرج محمد شكري من عوالم طنجة السفلية ليرى نور الحياة، وتحولت قصته، هو الذي ظل يفضح ويعري أقنعة مدينته المخيفة، إلى سيرة شغلت النقاد هناك قبل أن تحظى بالاهتمام هنا.
كان يمكن أن تشبه حياة محمد شكري الطفل حيوات الآلاف من أطفال المغرب الفقراء، الذين حرموا من أبسط شروط العيش الكريم ومن دفء بيت العائلة، غير أنه قرر كتابة مصيره بنفسه مسنودا بقدر خيّر حالفه الحظ في أن يقف في طريقه.
لم يكن مستوى عيش هذا الطفل المولود في إحدى قرى الريف عام 1935 والذي أجبرت ظروف الجفاف والمجاعة عائلته على النزوح إلى طنجة، يختلف عن العديد من أقرانه القادمين، أيضا، رفقة عائلاتهم من قرى بعيدة وصلتها تأثيرات الحرب العالمية الثانية مبكرا. ومع ذلك، نجح شكري، لاحقا، في أن يكون ناطقا باسم جيل كامل، باسم مرحلة واسم مدينة واسم طبقة اجتماعية، يتوزع أفرادها بين البؤساء، المحتاجين، أطفال الشوارع، الآباء العنيفين، الأمهات المستغَلات، العاهرات، المغفلين، الأميين، المجانين والمجرمين… الذين يعيشون وفق قدرتهم على مقاومة المجاعات والأمراض، لكنهم يستمرون في العيش، لسوء الحظ، تحت أقدام الطبقات المسيطرة.
غادرت عائلة شكري جبال الريف، في عام 1942هربا من الحرب والمجاعة .استقرت العائلة، في البداية، بتطوان، لكن المدينة لم تغر أحدا بالبقاء، فقرر الأب شد الرحال إلى طنجة التي كانت «تعيش على مجدها الدولي»، كما كتب شكري فيما بعد .لكن بدا أن المدينة “المزدهرة“ لن تبتسم لهؤلاء البؤساء، الذين يقودهم أب سكير، وحش، يكره حياته والعالم، يعنف زوجته وينهال على أبنائه بالضرب لسبب ما أو بدون سبب، إلى درجة أن تسبب في مقتل ابنه البكر عبد القادر، أمام أشقائه. لم يكن أمام شكري، خوفا من ملاقاة نفس المصير، إلا الهروب من ذلك “الطاغية“ إلى عوالم المدينة السفلية.
نينا كوزلوفسكي
تتمة المقال تجدونها في العدد 64 من مجلتكم «زمان»