اعتبر السيد عبد الإله ابن كيران أن ما جرى من تشكيلة حكومية، وتداعياته على حزب العدالة والتنمية بمثابة زلزال. والواقع أنه زلزال لم يمس حزب العادلة والتنمية وحده، لم تتحدد معالمه بعد، بل زلزال على المشهد السياسي قاطبة. يبدو ظاهرا التحكم في المشهد، بنفس الطريقة التي تم بها ضبطه منذ فجر الاستقلال عن طريق الأعيان ورجال الأعمال والتقنقراط. أما المشهد الحزبي فيشكو أزمة شاملة لا توفر حزبا. الحزب الإسلامي يعيش توترا مستترا، والأحزاب القديمة تلك التي خرجت من رحم الحركة الوطنية، كالاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تعيش أزمة مكشوفة، وحزب الحركة الشعبية يعيش أزمة ضمير، إذ أضحى عبارة عن نزل إسباني، يحل به من يشاء ويغادره من يشاء، ويلبس لباسه من يشاء، بلا استئذان ولا ضوابط، وحزب الأصالة والمعاصرة يعيش أزمة وجودية، لم يستقم بعدُ على رؤية، وعلى منهج وعلى طريقة.
والغائب في الزفة، طبعا، هو الدينامية المجتمعية التي لم تؤخذ بعين الاعتبار، من طبقات وسطى تفضل التطور الهادئ من داخل المؤسسات ولكنها تأنف مما شاب المشهد السياسي من إنزال وعبث وتحوير. لم تجد ذاتها في المشهد القائم، ولا الطريقة التي تم تدبيره. والوضع الحالي من شأنه أن يخدم لصالح فئات مجتمعية مسيسة لا تؤمن بالمؤسسات، وتفضل الشارع، ويمنحها ما وقع مشروعية. ما ذا سيكون رد الشعب غدا؟ لقد أبان عن وعي سياسي عميق حين عزف عن الصناديق في انتخابات 2007، وحين لم ينسق للمغامرة في الحراك الذي عرف المنطقة. فكيف أن يتخلف وعيه اليوم وغدا؟
مما يحكيه مواطنونا في الريف قصة رجل فقير اسمه بوقيوح، كان يعيش وحيدا، إلى أن قرر أن يتزوج يوما، فكان حدثا، وفشا خبر زواجه في القبيلة وتداوله الناس في السوق، فلما كان يوم الزفاف، فوجي بوقيوح بالقبيلة كلها قد حلت عنده، وموارده ضئيلة، ولم يسعه إلا أن ينجو بنفسه ويقاطع العرس، فذهبت القصة مثلا: “ثامغرا نْ بوقيوح” (عرس بوقيوح). غاب العريس، وهل يمكن تصور عرس من دون عريس. فهل نكون مقبلين على ثامغرا نْ بوقيوح، يقاطع فيه العرسَ العريسُ؟
خفقة جناح لطائر في الباسفيك، يمكنها أن تسفر عن إعصار في أمريكا اللاتينية كما يقول علماء الأنواء. الأشياء الصغيرة يمكن أن تتناسل عن أشياء كبيرة، قد لا تبرز لأول وهلة.
لا يمكن أن نتنبأ بالمستقبل، طبعا، ولكن ما حدث في المشهد السياسي، ينهي مرحلة وينفتح على أخرى. عقب انتخابات 2007، وما عرفته من عزوف، نظمت جريدة المساء لقاء حضره ثلة من الفاعلين السياسيين، وقدم أحد المشاركين نسبا حول توجهات الرأي، وهي طريقة غير مسبوقة، أبرز فيها تراتبية المؤسسات التي يضع فيها المواطن ثقته، تأتي على رأسها المؤسسة الملكية، فالمجتمع المدني، فالصحافة، وأخيرا الأحزاب. وكان يبدو أن الفاعل قدم ذلك التحليل أو ذلك التقرير، من أجل إصلاح العطب أو الخلل، كي تضطلع الأحزاب بالدور المنوط بها دستوريا. كان يبدو أنه أتى كي ينقد السياسة من الموت البطيء الذي كان يتهددها. وانتعشت السياسة في الشوارع، في خضم ما عرف بالحراك الشعبي لا بما أراده ذلك الفاعل، وضد ما أراده ذلك الفاعل.
ألا تكون الأحزاب مسؤولة تتحمل القسط الأوفر في ما تعرفه السياسة من موت بطيء؟ ألا تتحمل المسؤولية حينما تزكي الولادات القيصرية، والبتر وعمليات التجميل والمسخ وكل عمليات التشريح؟ كيف يستطيع حزب له مكانة خاصة في المشهد السياسي، أن يدفع باحترام ما أسماه بالمنهجية الديمقراطية، ويتصرف بنقيض ما يزعم، ثم يبرر دخوله الحكومة بحجة استكمال الأوراش المفتوحة؟ كيف نستطيع أن نفهم قول السيد بنكيران بالزلزال، ثم تزكيته للحكومة القائمة؟ بل كيف نفهم استقالته من البرلمان؟ فهو لا يقع تحت طائلة التنافي؟ وهل من حق برلماني أخذ التزاما من المواطنين أن يتخلى عن التزامه؟ حدث ذلك مرة في حوليات الحياة النيابية وأثار ضجة، حينما تم تغيير مدة ولاية البرلمان من أربع سنوات إلى ستة سنة 1980، باستفتاء. وأثار ذلك مشكلا قانونيا ما فتئ أن أضحى سياسيا، وهدد المرحوم الحسن الثاني بالتصدي لمن لا يحترم صرح القانون (كذا). المسألة تثار اليوم من منظور أخلاقي. أم هل البرغماتية تجُبّ كل شيء؟ أليست البرغماتية تورية، في حقيقة الأمر، لشيء آخر، اللعب على الحبلين، وهو أمر مكلف سياسيا.
يقول الإنجليز، لا يمكن أن تأكل الحلوى وتحتفظ بها آن. وهو شبيه بمثل عندنا دارج، “اللي بغاها كلها كيخليها كلها”. وكما يقول محلل صحافي حصيف “الأيام بيننا”.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير