لم يكتف المغرب مؤخرا بمنع عرض فيلم ”سيدة الجنة “في قاعاته السينمائية، بل حذر منه ومن مضامينه .فهل يبدو هذا المنع مثل شاكلته مما سبق؟
في سنة ،2014 وبعد تردد وإكراهات، أصدر المركز السينمائي المغربي قراره بسحب فيلم “الخروج“ الذي يتناول قصة النبي موسى .وبرر المركز قراره بأنه يجسد الذات الإلهية، معتبرا أن ما تضمنه الفيلم من تجسيد كاف لمنع عرضه .وفي المقابل، استنكر المهنيون والسينمائيون ودعاة حرية التعبير قرار المنع وسحبه، بينما ربط آخرون المنع بوجود وزير وصي على القطاع السينمائي ذي توجهات إسلامية. والحال أن مصطفى الخلفي لم ينكر، بدوره، آنذاك أن وزارته هي التي نبهت إلى ما تضمنه الفيلم، بل أقر أن ذلك «ليس له أي علاقة بحرية التعبير» .لهذا، ربط الكثيرون عندئذ بين قرارات المنع وبين وجود وزير إسلامي على رأس الوزارة، لا سيما في حالة فيلم “الزين للي فيك“ كذلك.
لكن هنا في حالة فيلم “سيدة الجنة“ يبدو أن تلك “النظرية“ لا أساس لها، والسبب لأن الوزير الحالي المهدي بنسعيد، رجل “حداثي“ كما يخبرنا به مشواره السياسي، وهو ابن مناضلين يساريين، وخريج حركة “لكل الديمقراطيين“، وكذلك عضو في حزب “الأصالة والمعاصرة“ الذي قيل إنه «جاء ليحد من تغول الإسلاميين». لكن المستغرب الذي يطرح في وضعه، أن الوزير بنسعيد سبق له أن مارس السينما من خلال شركة للإنتاج السينمائي، وبالتالي فهو يعرف جيدا القطاع، ويعرف مدى حاجته لمساحة “الحرية والتعبير“.
ومع ذلك، لننظر إلى السبب “القاهر“ الذي جعل فيلم “سيدة الجنة“ يمنع عرضه، ونتساءل لماذا حصل شبه إجماع على قرار المنع، حتى من طرف “الحداثيين” أنفسهم؟ قال المركز السينمائي في بلاغه إنه قرر عدم منح التأشيرة للشريط السينمائي “سيدة الجنة“ ومنع عرضه التجاري أو الثقافي بالتراب الوطني، وذلك بناء على موقف المجلس العلمي الأعلى، الذي يرى أن الشريط السينمائي «يتعارض مع ثوابت المملكة المغربية». وبالرجوع إلى بلاغ المجلس العلمي الأعلى، نجده يوضح بالتفصيل أسباب المنع، بله خطورته على المغرب، إذ يقول إن الفيلم «يمس مشاعر المسلمين»، لأنه قام بتمثيل النبي محمد، واستغل ابنته السيدة فاطمة الزهراء «لأغراض تناقض روح الدين وحقيقة التاريخ». كما نبه المجلس العلمي بأن كاتب الفيلم هو ياسر الحبيب المنتمي للتيار الشيعي، والذي «نزعت منه الجنسية الكويتية نظرا لأفكاره المتطرفة» .وفي نهاية البلاغ، دعا المجلس السلطات المختصة «لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة في هذا الموضوع».
بالنظر إلى مضامين الفيلم، الذي شاهدته “زمان“، ووجدت فيه ما أشار إليه بلاغ المجلس العلمي، فإن الفيلم يحمل رسائل شيعية واضحة، ويدعو إلى التشبث بالمذهب الشيعي بدلا عن السني حتى يتسنى لـ“أصحاب السنة“ التخلص من تشددهم وتطرفهم، وفق رواية الفيلم .لكن تجدر الإشارة إلى أن قرار المنع لا يُقرأ بعيدا عن طبيعة علاقة المغرب مع الجمهورية الإيرانية (الشيعية)، فمنذ تكفير الحسن الثاني للخميني وحظر نشر الكتب الشيعية في العهد الجديد، فإن المغرب أعلن في سنة ،2018 بشكل رسمي، قطع علاقته الدبلوماسية معها، وذلك على خلفية «دعم إيران لجبهة البوليساريو».. كل هذه السياقات، تؤطر قرار منع الفيلم، بغض النظر عن حدته أو حريته في التعبير.