جدد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، دعوته لتشكيل حلف في مواجهة ”التحكم”. حلف سياسي أشبه ما يكون بالصيغة التي نشأت حولها ”الكتلة الوطنية” في السبعينات، ثم ”الكتلة الديمقراطية” في التسعينات .لكل سياق خصوصياته وأطرافه الفاعلة، ولكل تجربة خلفياتها الخاصة ومآلاتها… لكن قاسما مشتركا يجمع كل هذه التجارب .يتعلق الأمر بكل بساطة، بمحاولة تشكيل قوة سياسية تضغط في اتجاه الانتقال نحو سيادة المعايير الديمقراطية .ملكية دستورية، ملكية برلمانية، ”إصلاح في ظل الاستقرار”… تختلف التسميات والظروف لكن المعنى واحد .أن يستطيع المنتخب ممارسة السلطة التنفيذية، في مستوى معين، ثم يقرر الناخبون بعد حين ما إذا أرادوا بقاءه في السلطة أو تغييره بمنتخبين آخرين …ليس مطلوبا اختراع أي جديد، بل مجرد تدارك التأخر التاريخي، وتقليد الأمم المتحضرة.
نظريا، قطعت خطوة جبارة نحو تحقيق هذا الهدف، منذ يوم فاتح يوليوز .2011 الدستور الذي اعتمد يومئذ يمثل بالتأكيد أرضية خصبة لهذه الغاية .لكن الدساتير والأطر النظرية لا تغير وحدها الواقع. لا شيء يتغير، فعلا، دون إرادة وإصرار حاملي الشعار الديمقراطي والمدافعين عنه. هذا بالضبط ما شرح عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، لشباب حزبه يوم السبت 25 يونيو الماضي.
على عادته، كان بنكيران صريحا إلى حد غير مألوف في ”الأعراف” السياسية التقليدية، وهذا مما يحسب له. ”نحن لسنا حزبا حاكما، وإن كنا نرأس الحكومة”، كما قال، داعيا الشباب إلى التدرج والواقعية. ”المبادئ تبنى على القناعات، والمواقف على الإمكانيات”، كما ورد على لسان بنكيران. التفاوض وتقديم التنازلات، وعدم التخصص في كسب العداوات …كل ما يشكل المنطق العصري للسياسة، والغريب أن الحزب الأكثر محافظة في إيديولوجيته هو الأكثر عصرية في سلوكه ومنطقه.
لكن التنازلات تقع تحت سقف معين لا يستطيع السياسي الواقعي تجاوزه، وإلا فقد مصداقيته. وهذا السقف يحدده رئيس الحكومة اليوم في تشكيل جبهة لمواجهة ”التحكم” .هذا التحكم الذي لا يجسده «النافدون اللي كيدخلو بين الظفر واللحم، بين العظم والجلد»، كما قال رئيس الحكومة، وليس فقط في حزب الأصالة والمعاصرة الذي ظل يحمل هذا النعت بالنظر لظروف نشأته. لا شك أن هذا التحليل يقدم تصورا مختلفا لميزان التحالفات الإيديولوجية، ويتطابق أكثر مع المنطق الذي قام عليه تحالف الكتلة الوطنية والكتلة الديمقراطية، أي الاجتماع على هدف محدد في سياق محدد. إذا كان تحرير الإرادة الشعبية من سلطة «الدولة التي نعرف قرارها»، بتعبير بنكيران، هو الهدف الذي يتمحور حوله هذا التحالف، فإنه يقع تماما في نفس المنطق الذي بنيت على أساسه الكتلة في الماضي. المشكلة أن العلمانيين، المتفقين مع هذا الهدف، كانوا يجدون صعوبات في التحالف حوله مع الإسلاميين .وقد كان مطلوبا من هؤلاء التخلي أكثر عن مواقفهم المتطرفة …بعد خمس سنوات في الحكومة تبدو الفرصة سانحة لتقييم مدى تطور الإسلاميين على هذا المسار. الأكيد أن التحالف ضد ”التحكم” سيكون أقوى في هذه الحالة.
إسماعيل بلاوعلي