انطلق النقاش حول تغيير القانون المجرم للإجهاض، في مبادرة يمكن أن تساهم في رفع الأغلال التي يفرضها القانون الجنائي على العديد من حريات الأفراد وحقوقهم الأساسية. بيد أن الأمر بالنسبة للمحافظين، على اختلاف تعبيراتهم، ليس إصلاحا بل تجرؤ على المرجعية الدينية التي يفترض أن القانون الوضعي المجرم للإجهاض مستمد منها. هذا الافتراض هو العقبة الأساسية في طريق الإصلاح، كلما تعلق الأمر بالحقوق والحريات التي يتصور البعض أن الدين قال فيها كلمته وانتهى الأمر.
فإذا كان تجريم الإجهاض، في القانون الوضعي، نابعا من تحريمه في الشرع، يصبح تغيير القانون مسا بالشرع نفسه، وهذا مستحيل. إذ أن النص مقدس والاجتهاد محدود، وإن فتح مجاله فيحصر في أهل العلم، أي فقهاء الدين حسب المعنى القديم للعلم، ووفق معايير محددة حسب مختلف المذاهب الفقهية.
في المقابل، يفترض المنطق العلماني أن كل الحقائق نسبية، فالتشريع الصالح اليوم قد لا يصبح كذلك عندما تتبدل الظروف. لذلك يعهد لممثلي المجتمع بتنظيم شؤونه وفق ما يحفظ الحد الأقصى من المصلحة العامة. هذا هو الحاصل فعلا في المغرب منذ عقود، إذ أن جل قوانين البلاد وضعية قابلة للتغيير في أي وقت، حسب إرادة وقدرة قوى المجتمع على الدفاع عن مصالحها.
بدل أن يطرح السؤال: ما مصلحة الأم والجنين والأسرة والمجتمع في ترسيم حق الإيقاف الطبي للحمل، يطرح السؤال مقلوبا: هل يوافق ذلك الشرع أم لا؟ أي شرع؟ أي مذهب؟ ماذا عما يقره الشرع وتجاوزه الواقع؟ هل يعقل، مثلا، أن يباح الرق اليوم، كما تبيحه «داعش»، لمجرد أن الشرع لم يمنعه صراحة؟
مشكلة هذا المنطق أنه يقف في نصف الطريق، فهو يقبل القانون الوضعي ويشتغل في إطاره، دون أن يسير في طريقه إلى النهاية فيخضع له كل المجالات. يقبل الأبناك «الربوية»، مثلا، وفي نفس الوقت يفتح أبناكا «إسلامية»، وكأن الأخرى «غير إسلامية»، وزبناءها غير مسلمين! مع أن ملاءمة القانون للواقع ليس بدعة علمانية خالصة، ألم ينهج الوحي نفسه هذه المنهجية فنزل القرآن بأحكام نسخها في آيات لاحقة حين زالت أسباب نزول الآيات المنسوخة؟ ألم يسلك بعض الخلفاء الراشدين، هذا المسلك حين اقتضت ظروف طارئة وقف العمل ببعض أحكام الشرع؟
قليل من الهدوء وكثير من الشجاعة كافيان لتجاوز الجمود القاتل في منتصف الطريق.
إسماعيل بلاوعلي