يتلازم الوطن ومواطنوه مبدئيا. الدفاع عن الوطن هو من أجل المواطنين، وحماية المواطنين والدفاع عنهم والارتقاء بهم حماية للوطن وارتقاء به .بيد أنه يحدث أن يقع انشطار ما بين الوطن والمواطنين، وهو ديدن الأنظمة الإيديولوجية التي تزعم الدفاع عن المواطنين باسم نظرة إيديولوجية، ككل الأنظمة الشمولية، أو تدفع بنداء «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، أو كثير من الأنظمة الاستبدادية التي تجعل أنظمتها في المقام الأول على حساب مواطنيها، في مغامرات غير محسوبة، أو جنون عظمة، أو باسم إيديولوجيات مهدوية. ليس الغاية من هذه المقدمة تقديم أي درس، ولكن من أجل التنبيه بتلازم الوطن والمواطنين .باسم مصلحة الوطن هب المواطنون جميعهم بالالتزام بالتدابير التي فرضتها الدولة منذ تفشي جائحة كورونا .من أجل مصلحة الوطن، وسلامة المواطنين، ولو كلفهم ذلك حريتهم وراحتهم ومصالحهم، وانبرى من هم في سَعة بمبادرات تضامنية، وأبانوا عن أريحية، وبرهنت أسلاك الدولة عن صور رائعة من البذل والتضحية. وحين تقرر التلقيح، تم في ظروف مهنية واحترافية، تفرض الاحترام. باسم مصلحة الوطن ..وكانت مصلحة الوطن تتقاطع مع مصلحة المواطنين وحقهم في الحياة.
ولكن هل يمكن أن نزعم الآن، مع توالي التدابير الاحترازية، وإغلاق الحدود، والحجر على قطاعات، أن ذلك يتقاطع مع مصالح شرائح من المواطنين، وقطاعات حيوية من النسيج الاقتصادي؟ الحق في الحياة لا ينبغي أن يتعارض والحق في العيش .فهل يمكن للجنة العلمية لوحدها أن تقرر، من دون احتساب التداعيات الخطيرة (أي الجسيمة) على المواطنين اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، كما يرد في الأدبيات الرسمية، كلما تكررت الإجراءات الاحترازية، إلى أجل غير مسمى؟
لا يمكن أن ننزع عن اللجنة العلمية الحس الإنساني، ولا الاجتماعي ولا السياسي، لكن رؤية لجنة ليست هي رؤية الأشخاص المكونين لها، لأن للعمل الجماعي منطقه الخاص، ليس بالضرورة توليفا للعناصر المكونة له، ولذلك يحتاج أي عمل جماعي إلى نظرة خارجية كي تظهره على ما قد لا يظهره الذكاء الجماعي.
أول الأشياء هو أنه لم يعد ممكنا الإجهاز على الاقتصاد باسم سلامة المواطنين. لم تعد الجائحة، حتى بأشكالها المتحورة تشكل تهديدا، وحتى لو بقي التهديد فليس بأكبر من التهديد الذي يجثم على قطاعات عدة في الاقتصاد. لقد بذل المغرب جهودا محمودة في الارتقاء بالسياحة، ويمكن أن يُهدَر هذا الجهد مع التدابير الصارمة، التي لا تنظر إلا لجانب دون الجوانب الأخرى.
لقد كانت الجائحة إعصارا، ولمّا ينتهِ، وككل إعصار يترك وراءه مخلفات.. وقد يستمر ترميم ما خلفه لسنوات عدة، ناهيك عن تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ونحتاج إلى سعة صدر لتدبير المخلفات، من كل الجهات، من الدولة أولا، التي ينبغي أن تبدي المرونة ما وسعها الأمر، والقوى الحية، التي ينبغي أن تتحلى بالتفهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، من هيئات مدنية وصحافة، مع مواكبة المواطنين في ظرفية صعبة.
نحن مقبلون على سنة صعبة من خلال ما يلوح من نُذُر الجفاف، ولم يعد الجفاف يتهدد المحصول الزراعي وحده، بل الماء الشروب، ويتحتم والحالة هذه مواكبة هذه التحولات بكثير من المرونة والاستباق، وعدم الإجهاز على ما اعتاده المواطنون من أجل كسب لقمة العيش…
نريد من اللجنة العلمية أن تكون، هذه المرة، أقل علمية، لأننا إذ نؤمن بسمو الوطن ومصلحته العليا، لا نفصله عن مصلحة المواطنين، ولا نريد أن يكون هناك انشطار ما بين الوطن وبين المواطنين، كما يقع حين يغيب الحس السياسي، أو تسود النظرة الإيديولوجية، أو المقاربة التقنية الصرفة.
ينبغي أكثر من الذكاء كي نضطلع بذكاء بالمهام الصعبة كما يقول دوستويفسكي. الذكاء وحده لا يكفي، أو المعرفة التقنية وحدها، أو النظر إلى جانب دون آخر، أو انعدام الحس السياسي. والشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده .وهو ما لا نريد.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير